أقول : أنكر جماعة كذيمقراطيس وأتباعه ـ على ما حكي (١) ـ وجود الواجب واحتياج الممكن إلى المؤثّر ، قائلين بأنّ وجود السماوات بطريق البخت والاتّفاق.
واختار المحقّقون احتياجه إليه (٢) ، وذهب إليه المصنّف رحمهالله كما ذكرنا.
ومراده أنّ كلّ عاقل إذا تصوّر الممكن والاحتياج إلى المؤثّر ، حكم بنسبة أحدهما إلى الآخر حكما ضروريّا لا يحتاج معه إلى برهان.
وخفاء هذا التصديق عند بعض العقلاء لا يقدح في ضروريّته ؛ لأنّ الخفاء في الحكم يستند إلى خفاء التصوّر لا لخفائه في نفسه ، ولهذا إذا مثّل للمتشكّك في هذه القضيّة حال الوجود والعدم بالنسبة إلى الماهيّة بحال كفّتي الميزان وأنّهما كما يستحيل ترجّح إحدى الكفّتين على الأخرى بغير مرجّح كذلك الممكن المتساوي الطرفين ، حكم بالحاجة إلى المؤثّر.
قال : ( والمؤثّريّة اعتبار عقليّ ).
أقول : هذا جواب عن استدلال أورده بعض المغالطين على احتياج الممكن إلى المؤثّر (٣).
وتقرير السؤال : أنّ الممكن لو افتقر إلى المؤثّر لكانت مؤثّريّة المؤثّر في ذلك الأثر وصفا ممكنا محتاجا إلى المؤثّر ، فتتحقّق هناك مؤثّريّة أخرى ، وننقل الكلام إليها حتّى يتسلسل.
وتقرير الجواب : أنّ المؤثّريّة ليست موجودة في الخارج حتّى يلزم كونها وصفا ممكنا محتاجا إلى المؤثّر ، بل هو اعتبار عقليّ ينقطع بانقطاع الاعتبار.
نعم ، التأثير أمر موجود بنفسه ، كما أنّ الأثر موجود بالتأثير ، نظير الماهيّة والوجود.
__________________
(١) حكاه الشيخ في « الشفاء » الطبيعيّات ١ : ٦١.
(٢) انظر : « المباحث المشرقية » ١ : ٢١٨ ؛ « تلخيص المحصّل » : ١١١ وما بعدها ؛ « نهاية المرام في علم الكلام » ١ : ١٢٩ وما بعدها ؛ « مناهج اليقين » : ٥ ؛ « شوارق الإلهام » الفصل الأوّل ، المسألة الخامسة والثلاثون.
(٣) الاستدلال المذكور أورده الفخر الرازي في « المحصّل » : ١٩٤ وما بعدها.