قال : ( والمؤثّر يفيد البقاء بعد الإحداث ).
أقول : لمّا حكم باحتياج الممكن الباقي إلى المؤثّر ، شرع في تحقيق الحال فيه ، وأنّ الصادر عن المؤثّر ما هو حال البقاء؟ وذلك لأنّ الشبهة دخلت على القائلين باستغناء الباقي عن المؤثّر بسبب أنّ المؤثّر لا تأثير له حال البقاء ؛ لأنّه إمّا أن يؤثّر في الوجود الذي كان حاصلا ، وهو محال ؛ لأنّ تحصيل الحاصل محال ، أو في أمر جديد ، فيكون المؤثّر مؤثّرا في الجديد لا في الباقي.
والتحقيق : أنّ قولهم : إنّ المؤثّر لا تأثير له حال البقاء غلط ؛ فإنّ المؤثّر يفيد البقاء بعد الإحداث ، وتأثيره بعد الإحداث في أمر جديد هو البقاء ؛ فإنّه غير الإحداث ؛ لأنّه عبارة عن الوجود بعد الوجود ، فهو مؤثّر في أمر جديد صار به باقيا لا في الذي كان باقيا. وأمّا البنّاء فهو علّة معدّة لا فاعليّة تامّة.
قال : ( ولهذا جاز استناد القديم الممكن إلى المؤثّر الموجب لو أمكن ، ولا يمكن استناده إلى المختار ).
أقول : المراد أنّ الممكن الباقي لمّا كان لإمكانه مفتقرا إلى المؤثّر في بقائه ، جاز أن يستند الممكن القديم إلى المؤثّر الموجب بالذات لو أمكن وجود ذلك المؤثّر ، كما يدّعيه الفلاسفة (١) ؛ لأنّ الإمكان علّة الافتقار كما مرّ.
نعم ، هذا الممكن لا يحتاج إليه إلاّ في البقاء ؛ لعدم الحدوث ، بخلاف الممكن الحادث ، فإنّه يحتاج إليه في الحدوث والبقاء.
وأمّا استناد الممكن القديم إلى المؤثّر المختار فغير ممكن ؛ لأنّ المختار هو الذي يفعل بواسطة القصد والاختيار ، والقصد إنّما يتوجّه في التحصيل إلى شيء معدوم ؛ لأنّ القصد إلى تحصيل الحاصل محال ، وكلّ معدوم تجدّد فهو حادث غير قديم ، والكلام في الممكن القديم.
وردّ : بأنّ تقدّم القصد على الإيجاد والوجود تقدّم بالذات لا بالزمان ، فلا يلزم
__________________
(١) انظر : « الشفاء » الطبيعيّات ١ : ٦٠ وما بعدها ؛ « شرح الإشارات والتنبيهات » ٣ : ١٢٧ وما بعدها.