والصورة الذهنيّة إن كانت مطابقة لها بذاتها بدون اعتبار أمر خارج ، تسمّى ماهيّة وكنها ، كصورة الحيوان الناطق للإنسان ، وإن كانت مطابقة لها لا بذاتها بل باعتبار أمر خارج ، تسمّى وجها ، وتصوّر الشيء بها يسمّى تصوّرا بالوجه ، كصورة مفهوم الضاحك للإنسان.
والماهيّة والحقيقة والذات من المعقولات الثانية العارضة للمعقولات الأولى ؛ فإنّ حقيقة الإنسان ـ أعني الحيوان الناطق ـ معروضة ؛ لكونها ماهيّة وذاتا وحقيقة ، وهذه عوارض لها.
قال : ( وحقيقة كلّ شيء مغايرة لما يعرض لها من الاعتبارات ، وإلاّ لم تصدق على ما ينافيها ).
أقول : كلّ شيء له حقيقة هو بها هو ، فالإنسانيّة من حيث هي إنسانيّة ماهيّة ، وهي مغايرة لجميع ما يعرض لها من الاعتبارات ؛ فإنّ الإنسانيّة من حيث هي إنسانيّة لا يدخل في مفهومها الوجود والعدم ، ولا الوحدة والكثرة ، ولا الكلّيّة والجزئيّة ، ولا غير ذلك من الاعتبارات اللاحقة بها ؛ لأنّ الوحدة لو دخلت في مفهوم الإنسانيّة ، لم تصدق الإنسانيّة على ما ينافيها ، لكنّها تصدق عليه ؛ لصدقها على الكثرة. وكذلك القول في الكثرة ، وكذا الوجود والعدم والكلّيّة والجزئيّة وغيرها ، فهي إذن مغايرة لهذه الاعتبارات وقابلة لها قبول المادّة للصور المختلفة والأعراض المتضادّة ، ولكن عوارض الماهيّة ثلاثة أقسام :
قسم يلحق الماهيّة من حيث هي هي بأيّ وجود وجدت ، كالزوجيّة للأربعة.
وقسم يلحقها باعتبار وجودها الخارجي ، كالتناهي للجسم.
وقسم يلحقها باعتبار وجودها الذهني ، وهو الذي يسمّى معقولا ثانيا ، كالذاتيّة والعرضيّة ونحوهما.
قال : ( وتكون الماهيّة مع كلّ عارض مقابلة لها مع ضدّه ).
أقول : إذا أخذت الماهيّة مع قيد الوحدة ـ مثلا ـ صارت واحدة ، وإذا أخذت مع