وفيه : أنّ العمى جزء لمفهوم هذا الأعمى الذي هو عرضيّ بالنسبة إلى ذات الأعمى ، وليس ماهيّة له.
فالحقّ وجود الكلّيّ الطبيعيّ ؛ لما مرّ ، بل الظاهر أنّه بديهيّ ؛ لاستلزام عدمه جواز اعتبار صدق الحمار على أفراد الإنسان.
ويشهد عليه ظاهر الآيات والأخبار ؛ لقوله تعالى : ( خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخَّارِ * وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ ) (١) لكون اسم الجنس المحلّى باللام حقيقة في تعريف الماهيّة ، مع أنّ الماهيّة ـ بمعنى ما به الشيء هو هو ـ إذا لم تكن موجودة يلزم عدم وجود ذلك الشيء ، فيلزم كون الموجود معدوما.
وأيضا : إنّا إذا رأينا زيدا ، حصل في أذهاننا صورة إنسانيّة معرّاة عن اللواحق الخارجيّة ، وهي بعينها حاصلة من رؤية عمرو وخالد وغيرهما ، بخلاف ما إذا رأينا فرسا وغيره.
وكونها باعتبار أنّها صورة كالظلّ في عدم التأصّل وماهيّة كلّيّة غير قادح في وجودها الخارجي باعتبار ضمّ الأعراض المشخّصة.
فتوهّم أنّ الماهيّة صورة كلّيّة ينتزعها العقل من ذوات الأشخاص أو أعراضها المكتنفة بها بحسب استعدادات مختلفة من غير أن تكون موجودة في الخارج حكم وهميّ عن حكم العقل خارج.
المسألة الثالثة : في انقسام الماهيّة إلى البسيطة والمركّبة ومجعوليّتهما.
قال : ( والماهيّة ، منها بسيطة ، وهي ما لا جزء له ، ومنها مركّبة ، وهي ما له جزء ، وهما موجودان ضرورة ).
أقول : الماهيّة إمّا أن يكون لها جزء تتقوّم منه ومن غيره ، وإمّا أن لا تكون كذلك.
والقسم الأوّل هو المركّب ، كالإنسان المتقوّم من الحيوان والنطق.
__________________
(١) الرحمن (٥٥) : ١٤ و ١٥.