احتياج لبعض الأجزاء إلى البعض إلاّ بمحض اعتبار العقل في احتياج الهيئة الاجتماعيّة إلى الأجزاء المادّيّة مع أنّه لا تحقّق لها في الخارج. وقد يكون حقيقيّا بأن يحصل من اجتماع موجودات متعدّدة حقيقة واحدة مختصّة باللوازم والآثار الخارجيّة ، وفي هذا المركّب لا بدّ أن يكون لأحد الأجزاء حاجة إلى جزء آخر مغاير له ؛ فإنّه لو استغنى كلّ جزء عن باقي الأجزاء لم يحصل منها حقيقة واحدة ، كما لا يحصل من الإنسان الموضوع فوق الحجر حقيقة متّحدة ، فلا بدّ في كلّ مركّب حقيقي على الإطلاق من حاجة ما لبعض أجزائه إلى بعض.
ثمّ المحتاج قد يكون هو الجزء الصوري لا غير ، كالهيئة الاجتماعيّة في العسكر ، والبلدة في البيوت ، والعشر في العدد ، والمعجون عن اجتماع الأدوية. وقد تشمل الحاجة الجزءين لا باعتبار واحد حتّى يلزم الدور ، بل باعتبارين ، كالمادّة المحتاجة في وجودها إلى الصورة ، والصورة في تشخّصها إلى المادّة.
قال : ( وهي قد تتميّز في الخارج وقد تتميّز في الذهن ).
أقول : أجزاء الماهيّة لا بدّ أن تكون متمايزة ، والتميّز قد يكون خارجيّا بأن يكون لكلّ منها وجود مستقلّ في الخارج ، كامتياز النفس والبدن اللذين هما جزء الإنسان. وقد يكون ذهنيّا ، كامتياز جنس السواد عن فصله ؛ فإنّه لو كان خارجيّا ، لم يخل إمّا أن يكون كلّ واحد منهما متقوّما أو لا.
والأوّل باطل ؛ لأنّه إن ماثل السواد استحال جعله متقوّما ؛ لعدم الأولويّة ، ولزوم كون الشيء مقوّما لنفسه. وإن خالفه فإذا انضاف الفصل إلى الجنس ، فإمّا أن لا تحدث هيئة أخرى ، فيكون المحسوس هو اللونيّة المطلقة ، فالسواديّة المحسوسة هي اللونيّة المطلقة ، هذا خلف. أو تحدث هيئة أخرى ، فلا يكون الإحساس بمحسوس واحد ، بل بمحسوسين ، هذا خلف.
والثاني أيضا باطل ؛ لأنّه إن لم تحصل عند الاجتماع هيئة أخرى ، كان السواد غير محسوس. وإذا حدث حادث هو السواد وهو معلول الجزءين وخارج عنهما ،