قال : ( وقد تؤخذ موادّ وقد تؤخذ محمولة ).
أقول : أجزاء الماهيّة قد ينظر إليها باعتبار كونها موادّ ، فتكون أجزاء حقيقيّة ، ولا تحمل على المركّب حمل هو هو ؛ لاستحالة كون الكلّ هو الجزء ، وقد ينظر إليها باعتبار كونها محمولة صادقة على المركّب.
مثاله : الحيوان قد يؤخذ مع الناطق ليكون هو الإنسان نفسه ، وقد يؤخذ بشرط التجرّد والخلوّ عن الناطق وهو المادّة ، على ما تقدّم تحقيقه ، فيستحيل حمله على المجموع المركّب منه ومن غيره ، وإذا أخذ من حيث هو هو مع قطع النظر عن القيدين كان محمولا.
قال : ( فتعرض لها الجنسيّة والفصليّة ).
أقول : إذا اعتبرنا حمل الجزء على الماهيّة حصلت الجنسيّة والفصليّة ؛ لأنّ الجنس هو الجزء المشترك ، والفصل هو الجزء المميّز ، والجزء المحمول يكون أحدهما قطعا ، فإذا أخذ الجزء محمولا حصلت الجنسيّة ـ أعني مقوليّة ذلك الجزء على كثيرين ـ أو الفصليّة ـ أعني تمييز الجزء ـ فجزء الماهيّة إمّا جنس أو فصل ، والجنس هو الكلّيّ المقول على كثيرين مختلفين بالحقائق في جواب ما هو؟
والفصل هو المقول على الشيء في جواب أيّ شيء هو في جوهره؟
قال : ( وجعلاهما واحد ).
أقول : يعني به جعل الجنس والفصل ، ولم يكونا مذكورين صريحا ، بل أعاد الضمير إليهما ؛ لكونهما في حكم المصرّح بهما.
وإنّما كان جعلاهما واحدا ؛ لأنّ الفاعل لم يفعل حيوانا مطلقا ، ثمّ غيّره بانضمام الفصل إليه ؛ فإنّ المطلق لا وجود له ، بل جعل الحيوان هو بعينه جعل الناطق.
واعتبر هذا في اللونيّة ؛ فإنّه لو كان لها وجود مستقلّ ، فهي هيئة إمّا في السواد ، فيوجد السواد ، لا بها ، وهذا خلف ، أو في محلّه ، فالسواد عرضان : لون وفصله ، لا واحد ، هذا أيضا خلف ، فجعله لونا هو بعينه جعله سوادا.