قال : ( والجنس منهما (١) كالمادّة وهو معلول ، والفصل كالصورة وهو علّة ).
أقول : الجنس إذا نسب مع فصله إلى المادّة والصورة ، وجد الجنس أشبه بالمادّة من الفصل في أنّ الشيء المركّب حاصل معها بالقوّة ، والفصل أشبه بالصورة منه في أنّ الشيء المركّب حاصل معها بالفعل.
وهذا الجنس هو المعلول ، والفصل هو العلّة ، بمعنى أنّ الطبيعة الجنسيّة إذا حصلت في العقل ، كانت أمرا مبهما متردّدا بين أشياء متكثّرة هو عين كلّ واحد منها بحسب الخارج ، وكانت غير منطبقة على تمام حقيقة واحدة منها ، فإذا انضمّ إليها الفصل تعيّنت وزال عنها الإبهام والتردّد ، وانطبقت على تمام حقيقة واحدة منها ، فالفصل علّة لصفات الجنس في الذهن ، وهي التعيّن وزوال الإبهام والتحصّل ، أعني الانطباق على تمام الماهيّة بديهة ، فيصدق عليه أنّه علّة للجنس من حيث هو موصوف بتلك الصفات ، لا أنّه علّة لوجوده في الذهن ، وإلاّ لم يعقل الجنس إلاّ مع الفصل أو لوجوده في الخارج ، وإلاّ لتغايرا في الوجود ، وامتنع الحمل بالمواطاة.
قال : ( وما لا جنس له لا فصل له ).
أقول : الفصل هو الجزء المميّز للشيء عمّا يشاركه في الجنس على ما تقدّم ، فإذا لم يكن للشيء جنس لم يكن له فصل ، هذا هو التحقيق في هذا المقام.
وقد ذهب غير المحقّقين (٢) إلى أنّ الفصل هو المميّز في الوجود ، وجوّزوا تركيب الشيء من أمرين متساويين وشيء من الأمرين ليس جنسا ، فيكون فصلا يتميّز به المركّب عمّا يشاركه في الوجود.
وهذا خطأ ؛ لأنّ الأشياء المختلفة لا تفتقر في تمايزها عمّا يشاركها في الوجود
__________________
(١) في « كشف المراد » : « هاهنا » بدل « منهما » ولعلّه هو الأصحّ.
(٢) ذهب إليه الفخر الرازي ومن سبقه كما في « شرح الإشارات » ١ : ٨٦ ، والكاتبي في « الشمسيّة » كما في « شروح الشمسية » ١ : ٢٦٦ ـ ٢٧٠ ، ونسبه اللاهيجي إلى جمهور المتأخّرين في « شوارق الإلهام » المبحث الثالث بعد المسألة الخامسة من الفصل الثاني.