وليس قولنا : « هو هو » اتّحادا مطلقا ، بل معناه أنّ الشيئين يتّحدان من وجه ويتغايران من وجه ، بمعنى أنّ الشيء الذي يقال له أحدهما يقال له الآخر ، بمعنى أنّ هذا المصداق الذي يصدق عليه أحد المفهومين يصدق عليه المفهوم الآخر أيضا ، فالتغاير في المفهوم والاتّحاد في المصداق.
قال : ( والوحدة ليست بعدد ، بل هي مبدأ العدد المتقوّم بها لا غير ).
أقول : هاهنا بحثان :
الأوّل : أنّ الوحدة مبدأ العدد ؛ فإنّ العدد إنّما يحصل منها ومن فرض غيرها من نوعها ، فإنّك إذا عقلت وحدة مع وحدة عقلت اثنينيّة.
ونبّه بهذا أيضا على أنّها ليست عددا ؛ بناء على أنّ العدد نصف مجموع حاشيتيه ، فحيث لا حاشية للواحد في جانب النقيصة ، لم يصدق على وحدته تعريف العدد ، بخلاف الاثنين ؛ فإنّه نصف حاصل الجمع من واحد ـ وهو أحد حاشيتيه ـ ومن الثلاثة ، وهي الحاشية الأخرى وهكذا غيره من الأعداد.
الثاني : أنّ العدد إنّما يتقوّم بالوحدات لا غير ، فليس العشر متقوّما بخمسة وخمسة ، ولا ستّة وأربعة ، ولا سبعة وثلاثة ، ولا ثمانية واثنين ، بل بالواحد عشر مرّات ، وكذلك كلّ عدد ، فإنّ قوامه من الوحدات التي تبلغ جملتها ذلك النوع ، ويكون كلّ واحدة من تلك الوحدات جزءا من ماهيّته ، فإنّه ليس تركّب العشرة من الخمسين أولى من تركّبها من الستّة والأربعة وغيرها من أنواع الأعداد التي تحتها ، ولا يمكن أن يكون الكلّ مقوّما بحصول الاكتفاء بنوع واحد من التركيب.
قال : ( وإذا أضيف إليها مثلها حصلت الاثنينيّة ، وهي نوع من العدد ، ثمّ تحصل أنواع لا تتناهى بتزايد واحد واحد مختلفة (١) الحقائق هي أنواع العدد ).
أقول : إذا أضيفت إلى الوحدة وحدة أخرى حصلت الاثنينيّة ، وهي نوع من العدد.
وقد ذهب قوم غير محقّقين إلى أنّ الاثنين ليس من العدد ؛ لأنّه الزوج الأوّل ،
__________________
(١) صفة « أنواع ».