قال : ( ولا يعقل للواحد ضدّان ).
أقول : هذا حكم ثان للتضادّ ، وهو أنّه لا يعرض بالنسبة إلى شيء واحد إلاّ تضادّ الواحد ، فلا يضادّ الواحد الاثنين ؛ لأنّ الواحد إذا ضادّ اثنين فإمّا بجهة واحدة أو بجهتين ، فإن كان بجهة واحدة فهو المطلوب ، وهو أنّ ضدّ الواحد واحد ، وهو ذلك القدر المشترك بينهما. وإن كان بجهتين كان ذلك وجوها من التضادّ لا وجها واحدا وليس البحث فيه.
قال : ( وهو منفيّ عن الأجناس ).
أقول : هذا حكم ثالث للتضادّ ، وهو أنّه منفيّ عن الأجناس فلا تضادّ بينها ؛ للاستقراء المفيد لانحصار التضادّ بين الأنواع الأخيرة المندرجة تحت جنس واحد قريب كالسواد والبياض المندرجين تحت اللون الذي هو جنسهما القريب.
ولا ينتقض بالخير والشرّ ؛ لأنّهما ليسا جنسين لما تحتهما ؛ لأنّا قد نعقل ما يطلق عليه الخير والشرّ مع الذهول عن كونه خيرا وشرّا ، ولا ضدّين من حيث ذاتيهما ، بل تقابلهما من حيث الكماليّة والنقص.
قال : ( ومشروط في الأنواع باتّحاد الجنس ).
أقول : هذا حكم رابع للتضادّ العارض للأنواع ، وهو اندراج تلك الأنواع تحت جنس واحد أخير كالسواد والبياض المذكورين.
ولا ينتقض بالشجاعة والتهوّر ؛ لأنّ تقابلهما من حيث الفضيلة والرذيلة العارضتين ؛ لمثل ما مرّ.
قال : ( وجعل الجنس والفصل واحدا ).
أقول : الجنس والفصل في الخارج شيء واحد ؛ فإنّه لا يعقل حيوانيّة مطلقة موجودة بانفرادها انضمّت إليها الناطقيّة فصارت إنسانا ، بل الحيوانيّة في الخارج هي الناطقيّة ، فوجودهما واحد. وهذه قاعدة قد مضى تقريرها.
والذي يخطر لنا أنّ الغرض بذكرها هاهنا الجواب عن إشكال يورد على