المسألة الثالثة : في أحكام العلّة الفاعليّة.
قال : ( فالفاعل مبدأ التأثير ، وعند وجوده بجميع جهات التأثير يجب وجود المعلول ).
أقول : الفاعل هو المؤثّر ، والغاية ما لأجله الأثر ، والمادّة والصورة جزءاه. وإذا وجد المؤثّر بجميع جهات التأثير كان علّة تامّة ، ووجب وجود المعلول ؛ لأنّه لو لم يجب لجاز وجود الأثر عند وجود الجهات بأجمعها وعدمه ، فتخصيص وقت الوجود به مع وجود الإرادة في الزمانين إمّا أن يكون لأمر زائد لم يكن في الزمان الآخر موجودا أو لا يكون ، فإن كان الأوّل لم يكن المؤثّر المفروض أوّلا تامّا ، هذا خلف. وإن كان الثاني لزم ترجيح أحد طرفي الممكن على الآخر لا لمرجّح ، وهو محال.
قال : ( ولا يجب مقارنة العدم ).
أقول : ذهب قوم إلى أنّ التأثير إنّما يكون لما سبق بالعدم.
وهو على الإطلاق غير سديد ، بل المؤثّر إن كان مختارا وجب فيه ذلك ؛ لأنّ المختار إنّما يفعل بواسطة القصد ، وهو إنّما يتوجّه إلى شيء معدوم. وإن كان موجبا لم يجب فيه ذلك ؛ لجواز استناد القديم إلى المؤثّر. فاستناد الحادث إلى القديم جائز ؛ لتوقّف التأثير على شرط حادث كتعلّق الإرادة ، فالتقدّم لذات الفاعل ، لا للفاعل المستجمع لجميع جهات التأثير ؛ لامتناع تخلّف المعلول عن العلّة التامّة ، بل يجب تحقّق الإيجاد ووجود المعلول حينئذ في آن واحد.
قال : ( ولا يجوز بقاء المعلول بعده وإن جاز في المعدّ ).
أقول : ذهب قوم (١) غير محقّقين ـ كما حكي (٢) ـ إلى أنّ احتياج الأثر إلى المؤثّر
__________________
(١) نسبه في « الإشارات والتنبيهات » إلى الأوهام العاميّة ، وفي « شرح الإشارات والتنبيهات » إلى الجمهور ، وفي « المحاكمات » إلى قوم من المتكلّمين. انظر : « شرح الإشارات والتنبيهات » ٣ : ٦٧ ـ ٦٨.
(٢) حكاه العلاّمة في « كشف المراد » : ١١٥.