المبحث الثاني :
حول الأسترآبادي و « البراهين القاطعة »
نبذة عن عصر المؤلّف
امتاز القرن الثالث عشر الهجري بنشوء عدد من التيّارات الفكرية عند الشيعة ، ففي منتصف هذا القرن تجدّد خلاف شديد بين الأصوليّين والأخباريّين وكان منطلقه من العراق وتحديدا في مدينة كربلاء ، التي كان فيها شخصيتان يتزعّم كلّ منهما اتجاها فكريّا ، فكان الشيخ محمّد باقر البهبهاني المعروف بالوحيد يتزعّم فريق الأصوليّين ، والشيخ يوسف البحراني يتزعّم فريق الأخباريّين.
وأهمّ موارد النزاع بين الفريقين هو أنّ الأخباريّين أسقطوا دليل الإجماع والعقل من الأدلّة الأربعة واقتصروا على الكتاب والأخبار معتبرين الدليل العقلي عملا بالرأي وقياسا. كما أنّهم يرون أنّ ما في الكتب الأربعة ـ التي يستند إليها الشيعة ـ قطعيّ السند وموثوق بصدوره عن المعصوم نبيّا كان أو إماما.
وعلى عكس ذلك قسّم الأصوليون الأخبار إلى الأقسام الأربعة ، ويرون أنّ أغلبها غير قطعي السند ولا يجوز العمل بكلّ الأخبار والحكم بصحّتها. وكان بداية ظهور الأخباريّين في مطلع القرن الحادي عشر للهجرة على يد المحقّق محمّد أمين الأسترآبادي صاحب « الفوائد المدنية » ، إلاّ أنّ النزاع تجدّد واشتدّ بين الفريقين نهاية القرن الثاني عشر ، ولم يقتصر النزاع على طلبة العلم بل تعدّاهم إلى عامّة الناس ، واستمرّ هذا الصراع الفكري واتّسع في النصف الأوّل من القرن الثالث عشر في عصر الشيخ جعفر كاشف الغطاء رحمهالله الذي كان منحاه أصوليا وحاول الشيخ جاهدا تخفيف حدّة التوتّر بتأليف كتاب شرح فيه حقيقة