وإنّما هو آن حدوثه ، فإذا أوجد الفاعل الفعل استغنى الفعل عنه ، فجاز بقاؤه بعده ، وتمثّلوا في ذلك بالبناء الباقي بعد البنّاء وغيره من الآثار.
وهو خطأ ؛ لأنّ علّة الحاجة ـ وهي الإمكان ـ ثابتة بعد الإيجاد ، فثبتت الحاجة. والبنّاء ليس علّة مؤثّرة في وجود البناء الباقي ، وإنّما حركته علّة لحركة الأحجار ووضعها على نسبة معيّنة ، ثمّ بقاء الشكل معلول لأمر آخر. هذا في العلل الفاعليّة.
أمّا العلل المعدّة فإنّها تعدم وإن كان معلولاتها موجودة كالحركة المعدّة للوصول وللحرارة.
قال : ( ومع وحدته يتّحد المعلول ).
أقول : هذا إشارة إلى قاعدة مشهورة بين الحكماء ، وهي : « أنّ الواحد لا يصدر عنه إلاّ الواحد » (١).
والمراد أنّ المؤثّر إن كان مختارا جاز أن يتكثّر أثره مع وحدته ، كتعدّد إرادته.
وإن كان موجبا فذهب الأكثر ـ خلافا لأكثر المتكلّمين (٢) ـ إلى استحالة تكثّر معلوله باعتبار واحد.
وأقوى حججهم أنّ نسبة المؤثّر إلى أحد الأثرين ومصدريّته له مغايرة لنسبته إلى آخر ، فإن كان كلّ واحد منهما نفس الواحد الحقيقي كان لأمر واحد حقيقتان مختلفتان.
وإن كانت النسبتان جزئيّة كان مركّبا ، فلم يكن ما فرضناه واحدا واحدا. وإن خرجا أو خرج أحدهما ، كانت المصدريّة الخارجة مستندة إلى ذلك الواحد المؤثّر ، وإلاّ لم يكن هو مصدرا ومؤثّرا ، فننقل الكلام إلى مصدريّة المصدريّة ، فيلزم التسلسل.
وهي عندي ضعيفة ؛ لأنّ نسبة التأثير والصدور يستحيل أن تكون وجوديّة ،
__________________
(١) انظر : « شرح الإشارات والتنبيهات » ٣ : ١٢٢ ؛ « حكمة الإشراق » ضمن « مجموعة مصنّفات شيخ الإشراق » ٢ : ١٢٥.
(٢) « شرح المقاصد » ٢ : ٨٧ وما بعدها ؛ « شرح المواقف » ٤ : ١٢٣ ؛ « شرح تجريد العقائد » : ١١٧.