وإلاّ لزم التسلسل.
وإذا كانت من الأمور الاعتباريّة استحالت هذه القسمة عليها ، مضافا إلى النقض بصدور شيء واحد ؛ لأنّ مصدريّته لذلك الشيء أمر مغاير له ، لكونها نسبة بينه وبين غيره ، فهي إمّا داخلة أو خارجة ، فعلى الأوّل يلزم تركّبه ، وعلى الثاني يلزم التسلسل ، مع أنّ التعدّد المنفيّ لازم لو كانت المصدريّة وجوديّة.
قال : ( ثمّ تعرض الكثرة باعتبار كثرة الإضافات ).
أقول : لمّا بيّن أنّ العلّة الواحدة لا يصدر عنها إلاّ معلول واحد ، أشار إلى جواب استدلال المتكلّمين ، وهو أنّه لو لم يصدر عن الواحد إلاّ الواحد ، لما صدر عن المعلول الأوّل إلاّ واحد هو الثاني وعنه واحد هو الثالث وهلمّ جرّا ، فتكون الموجودات سلسلة واحدة ولم يوجد شيئان يستغني أحدهما عن الآخر في الوجود.
وتقرير الجواب : أنّ ذلك لازم لو لم يكن في المعلول مع وحدته كثرة الجهات والاعتبارات ، ولكن فيه كثرة الإضافات ؛ فإنّ له وجودا ووجوبا بالغير وإمكانا بالذات ونحو ذلك من الاعتبارات ، ولهذا يقال : إنّ العقل الأوّل باعتبار التجرّد أثّر في العقل الثاني وباعتبار الإمكان في الفلك الأعظم وهكذا غيره.
وأورد عليه : بأنّ هذه كلّها اعتبارات عقليّة لا تصلح أن تكون علّة للأعيان الخارجيّة ، وإلاّ فذات الواجب تعالى يصلح أن يجعل مبدأ للممكنات باعتبار كثرة السلوب والإضافات (١).
والحقّ أنّ الحقّ فاعل مختار يوجد الأشياء بالمشيّة المتعلّقة بإيجاد الممكنات.
قال : ( وهذا الحكم ينعكس على نفسه ).
أقول : يريد بذلك أنّه مع وحدة المعلول تتّحد العلّة ، وهو عكس الحكم الأوّل ، فلا يجتمع على الأثر الواحد مؤثّران مستقلاّن ، بمعنى عدم جواز توارد العلّتين
__________________
(١) هذا الإيراد أورده الفخر الرازي في « شرح الإشارات والتنبيهات » ٢ : ٤٨ وما بعدها ، ونقله عنه التفتازاني في « شرح المقاصد » ٢ : ١٠٢ والقوشجي في « شرح تجريد العقائد » : ١١٩.