وجود علّة واجبة (١) لذاتها هي طرف السلسلة ).
أقول : لمّا أبطل الدور شرع في إبطال التسلسل ، وهو وجود علل ومعلولات في سلسلة واحدة غير متناهية.
ونبّه على الدعوى بقوله : « ولا يترقّى معروضاهما » بمعنى معروض العلّيّة والمعلوليّة في سلسلة واحدة إلى غير النهاية.
واحتجّ عليه بوجوه :
[ الوجه ] الأوّل : أنّ كلّ واحد من تلك الجملة ممكن ، وكلّ ممكن ممتنع حصوله بدون علّته الواجبة ، فكلّ واحد من تلك الآحاد يمتنع حصوله بدون علّته الواجبة.
ثمّ تلك العلّة الواجبة إن كانت واجبة لذاتها فهو المطلوب ؛ لانقطاع السلسلة حينئذ.
وإن كانت واجبة بغيرها كانت ممكنة لذاتها ، فكانت مشاركة لباقي الممكنات في امتناع الوجود بدون العلّة الواجبة ، فيجب وجود علّة واجبة لذاتها هي طرف السلسلة ، وتكون السلسلة به منقطعة.
وفي هذا الوجه عندي نظر ؛ فإنّ من جوّز ذهاب سلسلة الممكنات إلى غير النهاية يقول بكون كلّ واحد منها واجبا بالغير من غير أن ينتهي إلى واجب لذاته.
ودعوى أنّه لا بدّ من وجود علّة واجبة لذاتها مصادرة ، فلا بدّ من البرهان كالتطبيق.
قال : ( وللتطبيق بين جملة قد فصل منها آحاد متناهية وأخرى لم يفصل منها ).
__________________
(١) قال في الشوارق : « هذا إشارة إلى طريقة مخترعة له مشهورة عنه ، وهي أنّ الممكن لا يجب لذاته ، وما لا يجب لذاته لا يكون له وجود لذاته ، فلو كانت الموجودات بأسرها ممكنة لما كان في الوجود موجود ، فلا بدّ من واجب لذاته ، فقد ثبت واجب الوجود ».
وهذه طريقة حسنة مستقيمة خفيفة المئونة مبنيّة على أنّ الشيء ما لم يجب ولم يمتنع جميع أنحاء عدمه لم يوجد ، فتأمّل. ( منه رحمهالله ).
انظر : « شوارق الإلهام » المسألة الثالثة من الفصل الثالث ، وقد نقل العبارة بشيء من الاختصار.