أقول : الذي يفهم من هذا الكلام أنّ نسبة العلّيّة مكافئة لنسبة المعلوليّة في طرفي الوجود والعدم بالنسبة إلى معروضيهما ، على معنى أنّ نسبة العلّيّة إذا صدقت على معروض ثبوتي كانت نسبة المعلوليّة صادقة على معروض ثبوتي ، وبالعكس. وإذا صدقت نسبة العلّيّة على معروض عدميّ صدقت نسبة المعلولية على معروض عدميّ ، وبالعكس.
وهذا معنى تكافئهما في طرفي النقيض ، أي الوجود والعدم.
وذلك يتمّ بتقرير مقدّمة هي أنّ عدم المعلول إنّما يستند إلى عدم العلّة لا غير.
وبيانه : أنّ عدم المعلول لا يستند إلى ذاته ، وإلاّ لكان ممتنعا لذاته ، وهذا خلف ؛ بل لا بدّ له من علّة إمّا وجوديّة أو عدميّة ، والأوّل باطل بناء على أنّ تأثير الوجودي في العدمي لا يجوز ، وإلاّ لكان عدم الوجودي علّة فاعليّة لعدم العدمي الذي هو وجوديّ ، وهذا خلف.
والإيراد بأنّ الوجودي الذي هو علّة فاعليّة للعدمي يجوز أن يكون هو الواجب تعالى ، ولا يتصوّر له عدم حتّى يلزم أن يكون علّة للوجودي (١) يمكن دفعه بكفاية امتناع كون الوجودي الممكن علّة للعدمي لما مرّ ؛ لامتناع تأثير الواجب في العدم الأزلي الحاصل إلاّ باعتبار استمراره.
ولكن يرد عليه : أنّ الواجب تعالى قادر مختار ، قد فسّرت القدرة والاختيار بكون الفاعل بحيث إن شاء فعل وإن شاء ترك ؛ فإنّ الترك أسند إلى المشيئة الوجوديّة ، اللهمّ إلاّ أن يقال : إنّ مشيّئة الترك من جهة المفسدة الراجعة إلى العدم.
وقد يستدلّ على بطلان كون الوجودي علّة للعدمي بأنّه عند وجود تلك العلّة الوجوديّة إن لم يختلّ شيء من أجزاء تلك العلّة المقتضية لوجود المعلول ولا من شرائطها لزم وجود المعلول ؛ نظرا إلى تحقّق العلّة التامّة. وإن اختلّ شيء من ذلك
__________________
(١) أورده القوشجي في « شرح تجريد العقائد » : ١٢٦.