فإنّ مع العلّة شرائط كثيرة ولوازم لا مدخل لها في العلّيّة كحمرة النار ، فإنّها لا تأثير لها في الإحراق ، وكذا ما يصاحب المعلول ويلازمه ؛ فإنّه لا يجب صدق نسبة المعلوليّة عليه ، بل لا يجوز ذلك ؛ لامتناع أن يكون لشيء واحد فاعلان في مرتبة واحدة ، وامتناع تأثير العلّة في معلولين من جهة واحدة.
قيل : قال الشيخ أبو عليّ ابن سينا : إنّ الفلك الحاوي يصاحب علّة المحويّ ، ولا يجب أن يكون متقدّما بالعلّيّة على المحويّ لأجل مصاحبته لعلّة المحويّ (١).
فقد جعل ما مع القبل ليس قبلا.
ثمّ قال : عدم الخلاء ووجود المحويّ متقاربان ، فلو كان الحاوي علّة للمحويّ لكان متقدّما عليه ، فيكون متقدّما على ما يصاحبه أعني عدم الخلاء ، فيكون عدم الخلاء متأخّرا من حيث إنّه مصاحب للمتأخّر ، وهذا يدلّ على أنّ ما مع البعد يجب أن يكون بعدا (٢).
فتوهّم بعضهم (٣) أنّ الشيخ أوجب أن يكون ما مع القبل قبلا ، وهو مناف لما تقدّم.
وهذا فاسد ؛ لأنّه لا فرق بين ما مع القبل وما مع البعد من حيث البعديّة والمعيّة والقبليّة ، وإنّما الفرق في التقدّم بالعلّيّة.
والشيخ حكم في الصورة الخاصّة وكلّ ما يساويها بأنّ ما مع البعد يجب أن يكون بعدا ؛ لتحقّق الملازمة الطبيعيّة بين عدم الخلاء ووجود المحويّ ، بخلاف العقل والفلك المتباينين بالذات والاعتبار.
المسألة التاسعة : في أنّ أشخاص العناصر ليست عللا ذاتيّة بعضها لبعض.
قال : ( وليس الشخص من العنصريّات علّة ذاتيّة لشخص آخر منها ، وإلاّ لم تتناه
__________________
(١) نقل عنه العلاّمة قدسسره في « كشف المراد » : ١٢١ ؛ وراجع « شرح الإشارات والتنبيهات » ٢ : ١٢٦ وما بعدها و ٣ : ٢٢١ وما بعدها.
(٢) نقل عنه العلاّمة قدسسره في « كشف المراد » : ١٢١ ؛ وراجع « شرح الإشارات والتنبيهات » ٢ : ١٢٦ وما بعدها و ٣ : ٢٢١ وما بعدها.
(٣) هو الفخر الرازي. راجع المصدرين السابقين.