لا يكون سببا لفعل جزئي ؛ لأنّ نسبة كلّ كلّيّ إلى جزئيّاته واحدة ، فإمّا أن تقع كلّها وهو محال ، أو لا يقع شيء منها وهو المطلوب ، فلا بدّ من تصوّر جزئيّ يتخصّص به الفعل فيصير جزئيّا ، فإذا حصل التصوّر بالنفع الحاصل من الأثر اشتاقت النفس إلى تحصيله ، فحصلت الإرادة الجازمة بعد التردّد فتحرّكت العضلات إلى الفعل فوجد.
وفي بعض النسخ : « الفعل » مكان « الفاعل » والمعنى واحد ، كما لا يخفى.
قال : ( والحركة إلى مكان تتبع الإرادة بحسبها ، وجزئيّات تلك الحركة تتبع تخيّلات وإرادات جزئيّة يكون السابق من هذه علّة للسابق من تلك العدّة لحصول أخرى ، فتتّصل الإرادات في النفس ، والحركات في المسافة إلى آخرها ).
أقول : هذا إشارة إلى جواب سؤال ربّما يورد (١).
وتقريره : أنّ الحركة على مسافة يكفي فيها إرادة متعلّقة بقطع جميعها من غير أن يتصوّرها بخصوصها ؛ فتكفي الإرادة الكلّيّة من غير حاجة إلى إرادة جزئيّة ، مع أنّ الإرادة الجزئيّة أمر حادث يحتاج إلى علّة حادثة فيلزم التسلسل.
وتقرير الجواب : أنّ صدور الحركة عن الإرادة الكلّيّة يتوقّف على وجود الإرادة الجزئيّة ؛ فإنّ المتحرّك على مسافة يتخيّلها أوّلا وتنبعث منه إرادة كلّيّة متعلّقة بقطع جميعها ، ثمّ إنّه يتخيّل حدّا جزئيّا من حدودها ، وتنبعث من تخيّله إرادة جزئيّة متعلّقة بقطع جزء من المسافة ، وبعد قطعه يتخيّل حدّا آخر وهكذا. فتلك الحركة إلى مكان مفروض تتبع إرادة بحسبها ، أعني بحسب تلك الحركة ، وجزئيّات تلك الحركة تابعة لتخيّلات جزئيّة موجبة لحصول إرادات جزئيّة متعلّقة بحدود تلك المسافة ، فتكون الحركة في كلّ مسافة من تلك المسافات جزءا من الحركة الأولى ، وكلّ جزء من تلك الأجزاء يتبع تخيّلا خاصّا وإرادة جزئيّة متعلّقة به ، فإذا تعلّقت الإرادة بإيجاد الجزء الأوّل من الحركة ثمّ وجد الجزء الأوّل ، فإنّ وصول الجسم إلى
__________________
(١) انظر : « شرح تجريد العقائد » : ١٢٨.