الثاني : قوى يفرض صدور عمل ما منها على الاتّصال في أزمنة مختلفة كرماة تختلف أزمنة حركات سهامهم في الهواء ، وهاهنا تكون التي زمانها أكثر أقوى من التي زمانها أقلّ ، فلو كان هنا عدم تناه لكان باعتبار الزمان ، وهذه قوّة بحسب المدّة.
الثالث : قوى يفرض صدور أعمال متوالية منها مختلفة بالعدد كرماة يختلف عدد رميهم ، ولا محالة تكون التي يصدر عنها عدد أكثر أقوى من التي يصدر عنها عدد أقلّ ، وهاهنا يكون عدم التناهي بحسب العدد ، وهذه قوّة بحسب العدّة.
فقد ظهر من هذا أنّ التناهي وعدمه الخاصّ به إنّما صدقا على المؤثّر بأحد الاعتبارات الثلاثة.
قال : ( لأنّ القسريّ يختلف باختلاف القابل ، ومع اتّحاد المبدأ يتفاوت مقابله ).
أقول : لمّا مهّد قاعدة كيفيّة عروض التناهي وعدمه في القوى شرع في الدليل على مطلوبه ، أعني وجوب تناهي تأثير القوى الجسمانيّة.
وتقريره : أنّ القوى الجسمانيّة إمّا أن تكون قسريّة أو طبيعيّة ، وكلاهما يستحيل صدور ما لا يتناهى عنهما.
أمّا الأولى : فلأنّ صدور ما لا يتناهى بحسب الشدّة بسببها من الحركات محال ؛ لما مرّ.
وأمّا بحسب العدّة والمدّة : فلأنّ التأثير القسريّ يختلف باختلاف القابل المقسور ، بمعنى أنّ كلّ ما كان أكبر كان تحريك القاسر له أضعف ؛ لكون معاوقته وممانعته أكثر وأقوى ، فحينئذ لو فرضنا جسما متناهيا يحرّك جسما آخر متناهيا من مبدأ مفروض حركات لا تتناهى بحسب المدّة والعدّة ، ثمّ حرّك بتلك القوّة جسما أصغر من ذلك الجسم من ذلك المبدأ ، فإنّ تحريكه للأصغر أكثر من تحريكه للأكبر ؛ لقلّة المعاوقة (١) هنا.
__________________
(١) أي الممانعة بحسب الطبيعة. ( منه رحمهالله ).