أقول : لمّا ذكر أنّ قبول المادّة لما يحلّ فيها ذاتيّ ، استشعر أن يعترض عليه بما يظنّ أنّه مناقض له ، وهو أن يقال : إنّ المادّة قد تقبل شيئا ولا تقبل آخر ، ثمّ يعرض لها قبول الآخر ويزول عنها القبول الأوّل ، كالنطفة ؛ فإنّها لا تقبل الصورة الإنسانيّة ابتداء ، ثمّ إذا صارت جنينا قبلتها ، وهذا يعطي أنّ القبول من الأمور العارضة الحاصلة بسبب الغير ، لا من الأمور الذاتيّة اللازمة لها لذاتها.
فأجاب بأنّ القبول ثابت في كلا الحالين ، لكنّ القبول منه قريب ومنه بعيد ؛ فإنّ قبول النطفة للصورة الإنسانيّة بعيد ، وقبول الجنين قريب ، فإذا حصل القرب بالنظر إلى عرض من الأعراض نسب القبول إليه ونفي عن غيره. وفي الحقيقة إنّما حصل قرب القبول بعد بعده ، وسبب القرب والبعد هو الأعراض والصور الحالّة في المادّة ؛ فإنّ الحرارة إذا دخلت في المادّة واشتدّت ، أعدّت قرب قبول الصورة الناريّة وخلع غيرها.
المسألة الرابعة عشرة : في العلّة الصوريّة.
قال : ( وهذا الحالّ صورة للمركّب وجزء فاعل لمحلّه ).
أقول : هذا الحالّ ـ يعني به الحالّ في المادّة ـ وهو صورة للمركّب لا للمادّة ؛ لأنّه بالنظر إلى المادّة جزء فاعل ؛ لأنّ الفاعل في المادّة هو المبدأ الفيّاض بواسطة الصورة المطلقة بناء على أنّ كلّ متلازمين لا بدّ أن يكون أحدهما علّة للآخر ، وحيث ثبت عدم كون الهيولى علّة تعيّن كون الصورة علّة ، ولمّا استحال كونها علّة مستقلّة ؛ لأنّ الصورة والشكل يوجدان معا ، والهيولى متقدّمة على الشكل ؛ لأنّه من لوازم المادّة ، والمتقدّم على ما مع الشيء متقدّم على ذلك الشيء ، تعيّن كونها جزء علّة لها ، وهذا معنى قوله : « وجزء فاعل لمحلّه ».
وفيه : نظر.
قال : ( وهو واحد ).