أقول : ذكر الأوائل أنّ الصورة المقوّمة للمادّة لا تكون فوق واحدة ؛ لأنّ الواحدة إن استقلّت بالتقويم استغنت المادّة عن الأخرى. وإن لم تستقلّ كان المجموع هو الصورة ، وهو واحد فالصورة واحدة (١).
المسألة الخامسة عشرة : في العلّة الغائيّة.
قال : ( والغاية علّة بماهيّتها لعلّيّة العلّة الفاعليّة ، معلولة في وجودها للمعلول ) (٢).
أقول : العلّة الغائيّة هي المحرّكة للفاعل على الفعل والداعية إليه المترتّبة عليه غالبا ، وهي المسمّاة بالغرض. والفائدة ما يترتّب على الفعل وإن لم يكن محرّكا للفاعل. وبينهما عموم وخصوص من وجه ، فعلى هذا الغاية لها اعتباران يحصل لها باعتبارهما التقدّم والتأخّر بالنسبة إلى المعلول ؛ وذلك لأنّ الفاعل إذا تصوّر الغاية فعل الفعل ، ثمّ حصلت الغاية بحصول الفعل ، فماهيّة الغاية علّة لعلّية الفاعل ؛ إذ لو لا تلك الماهيّة وحصولها في علم الفاعل لما أثّر ولا فعل الفعل ؛ فإنّ الفاعل للبيت يتصوّر الإسكان أوّلا فيتحرّك إلى إيجاد البيت ، ثمّ يوجد الإسكان بحصول البيت ، فماهيّة الإسكان علّة لعلّيّة الفاعل ، ووجوده معلول للبيت. ولا امتناع في أن يكون الشيء الواحد متقدّما ومتأخّرا باعتبارين ، بمعنى أنّ الغاية متقدّمة في التصوّر والوجود الذهني ؛ لكونها بهذا الوجود علّة فاعليّة لعلّيّة الفاعل ، ومتأخّرة بحسب الوجود الخارجي ، فلا دور ، ولهذا يقال : أوّل الفكر آخر العمل.
قال : ( وهي ثابتة لكلّ قاصد ).
أقول : كلّ فاعل بالقصد والإرادة فإنّه إنّما يفعل لغرض وغاية ما ، وإلاّ لكان عابثا ،
__________________
(١) انظر : « المباحث المشرقيّة » ١ : ٦٤٧.
(٢) هذا تعريف للعلّة قريب من كلام الشيخ الرئيس في « الإشارات والتنبيهات » حيث قال : « والعلّة الغائيّة التي لأجلها الشيء علّة بماهيّتها ومعناها ... » إلى آخره ، كما في « شرح الإشارات والتنبيهات » ٣ : ١٥.
وفي « الشفاء » الإلهيّات : ٢٥٧ قال : « ونعني بالغاية : العلّة التي لأجلها يحصل وجود شيء مباين لها ».