على أنّ العبث لا يخلو من غاية.
أمّا الحركات الأسطقسيّة فقد أثبت الأوائل (١) لها غايات ؛ لأنّ الحبّة من البرّ إذا رميت في الأرض الطيّبة وصادفها الماء وحرّ الشمس فإنّها تنبت سنبلة ، وهذه على سبيل الدوام أو الكثرة ، فيكون ذلك غاية طبيعيّة.
ومنع جماعة (٢) من ذلك ؛ لعدم الشعور في الطبيعة ، فلا تعقل لها غاية.
وأجابوا بأنّ الشعور يفيد تعيين الغاية لا تحصيلها.
قال : ( أمّا القوّة الحيوانيّة المحرّكة فغايتها الوصول إلى المنتهى ، وهو قد يكون غاية (٣) وقد لا يكون ، فإن لم يحصل فالحركة باطلة ، وإلاّ فهو إمّا خير أو عادة أو قصد ضروريّ أو عبث وجزاف ).
أقول : القوّة الحيوانيّة لها مبادئ على ما تقدّم :
أحدها : القوّة المحرّكة المنبثّة في العضلات.
وثانيها : القوّة الشوقيّة.
وثالثها : التخيّل والفكر.
وغاية القوّة المحرّكة إنّما هي الوصول إلى المنتهى ، وقد تكون هي بعينها غاية القوّة الشوقيّة ، كمن طلب مفارقة مكانه والحصول في الآخر لإزالة ضجره. وقد تكون غيرها كمن يطلب غريما في موضع معيّن ؛ فإنّ غاية الشوقيّة هنا لقاؤه غير الوصول إلى ذلك المكان.
وفي هذا القسم إن لم تحصل غاية القوّة الشوقيّة سمّيت الحركة باطلة بالنسبة إليها ، وإن حصلت الغايتان وكان المبدأ التخيّل لا غير فهو الجزاف والعبث ، وإن كان مع طبيعة كالتنفّس فهو القصد الضروري ، وإن كان مع خلق وملكة نفسانيّة كاللعب
__________________
(١) انظر : « المباحث المشرقيّة » ١ : ٦٥٣.
(٢) منهم الفخر الرازي في « شرح الإشارات والتنبيهات » ٣ : ١٧.
(٣) في « كشف المراد » : ١٣٠ هكذا : « غاية الشوقية ».