ولا يخفى أنّ الواجب خارج عن تعريف الجوهر حيث جعل المقسم هو الممكن ، بل قيل (١) : وكذلك إذا جعل المقسم الموجود المطلق ، كما وقع في عبارة الإمام (٢) ؛ لأنّ تعريف الجوهر حينئذ هو الموجود لا في موضوع ، ومعناه ماهيّة إذا وجدت كانت لا في موضوع ، وليس للواجب ماهيّة ووجود زائد عليها ؛ لأنّ وجوده عين ذاته.
وهكذا إذا جعلنا الجوهر عبارة عن محلّ العرض أو المتقوّم بنفسه ؛ لعدم كون الواجب محلّ العرض كما سيأتي ، وعدم كونه قابلا للقوام لاستلزامه الوجود بعد العدم ، وهو الحدوث المنافي لوجوب الوجود.
ولو تنزّلنا وسلّمنا عموميّة الجوهر ، فنقول : عدم الإطلاق للمنع الشرعي حذرا عن توهّم الإمكان من جهة الغلبة.
قال : ( وهو إمّا يفارق عن المادّة (٣) في ذاته وفعله وهو العقل ، أو في ذاته وهو النفس ، أو مقارن ، فإمّا أن يكون محلاّ وهو المادّة ، أو حالاّ وهو الصورة ، أو ما يتركّب منهما وهو الجسم ).
أقول : هذه قسمة الجوهر إلى أنواع ؛ فإنّ الجوهر إمّا أن يكون مفارقا في ذاته وفعله للمادّة والمحلّ المتقوّم بالحالّ بمعنى عدم احتياجه إليهما فيهما ، وهو المسمّى بالعقل ، أو مفارقا في ذاته لا في فعله ، وهو النفس الناطقة ، فإنّها مفارقة للمادّة في ذاتها وجوهرها دون فعلها ؛ لاحتياجها إلى الآلة في التأثير ، ولا يمكن أن يكون مفارقا في فعله غير ذاته ؛ لأنّ الاستغناء في التأثير يستدعي الاستغناء في الذات ، وإمّا أن يكون غير مفارق عن المادّة ، فإمّا أن يكون محلاّ لجوهر آخر وهو الهيولى ، أو حالاّ في جوهر آخر وهو الصورة ، أو يتركّب من الجوهرين : الحالّ والمحلّ وهو الجسم ، فهذه أقسام الجوهر.
__________________
(١) نسبه التفتازاني إلى القيل أيضا ، كما في « شرح المقاصد » ٢ : ١٤٣.
(٢) « المباحث المشرقيّة » ١ : ٢٣٥.
(٣) في « كشف المراد » : ١٣٩ العبارة هكذا : « وهو إمّا مفارق في ذاته ».