ليس جنسا لما تحته ، بل هو أمر عرضيّ ، واختلفوا في الجوهر هل هو جنس لما تحته أو عارض؟ فالذي اختاره المصنّف رحمهالله أنّه عارض ، وجعل الجوهريّة والعرضيّة من ثواني المعقولات ؛ فإنّ كون الذات مستغنية عن المحلّ أو محتاجة إليه أمر زائد على نفس الذات ومن الأمور الاعتباريّة وحكم من أحكامها الذهنيّة.
واستدلّ عليه بأنّ الذهن يتوقّف في نسبة أحدهما إلى الذات وحمله عليها على وسط وبرهان ، ولهذا احتجنا إلى الاستدلال على عرضيّة الكلّيّات (١) والكيفيّات وجوهريّة النفوس وأشباه ذلك ، وجنس الشيء لا يجوز أن يتوقّف ثبوته له على البرهان ؛ لأنّ ذاتيّ الشيء بيّن الثبوت لذلك الشيء » (٢).
وأنا أقول : يمكن أن يردّ ذلك الاستدلال بأنّ ذاتيّ الشيء إنّما يكون بيّن الثبوت له إذا كان ذلك الشيء متصوّرا بالكنه لا بالوجه ، كتصوّر النفس بكونها مدبّرة للبدن وأيضا المعقولات الثانية عبارة عمّا لا يعقل إلاّ عارضا لمعقول آخر ولم يكن في الأعيان ما يطابقه ، أو عبارة عن العوارض المخصوصة بالوجود الذهني ولم يصدق شيء منهما على الجوهر ، كما لا يخفى.
نعم ، الجوهريّة ـ بالياء والتاء المصدريّتين ـ مفهوم اعتباريّ يصدق عليه أنّه معقول ثان لا الجوهر ، ولهذا يعدّ الجوهر جنس الأجناس ، ويعرّف الجسم الطبيعي بالجوهر القابل للأبعاد الثلاثة ، بمعنى إمكان تحقّق الخطوط الثلاثة المتقاطعة على زوايا قوائم.
فإن قلت : لو كان الجوهر جنسا للجواهر لكان تمايزها بفصول ، على ما هو شأن الأنواع المندرجة تحت جنس ، فتلك الفصول إن كانت جواهر ، ننقل الكلام إلى ما به تمايزها فيلزم التسلسل وامتناع التعقّل ، وإن كانت أعراضا يلزم افتقار الجوهر
__________________
(١) كذا في الأصل ، وفي « كشف المراد » : « الكمّيّات ».
(٢) « كشف المراد » : ١٤٠ ، وقد نقل عنه بتصرّف.