الأعراض في الحاجة إلى المحلّ والعرضيّة في الوجود ، وهذا المعنى أمر اعتباريّ ، فليست العرضيّة جنسا لما تحتها.
وفيه : أنّ الجوهر والعرض كسائر الأجناس ممّا ينتزع منه أو يقوم به ذلك المعنى المصدري الذي يعتبر في التعريف الذي هو رسم لا حدّ.
المسألة الثالثة : في نفي التضادّ عن الجواهر.
قال : ( ولا تضادّ بين الجواهر ولا بينها وبين غيرها ).
أقول : لمّا فرغ من تعريف الجوهر والعرض وبيان أنّهما ليسا بجنسين ، شرع في باقي أحكامهما ، فبيّن انتفاء الضدّيّة عن الجواهر ، على معنى أنّه لا ضدّ للجواهر من الجواهر ولا من غيرها.
وبيانه : أنّ الضدّ هو الذات الوجوديّة المعاقبة لذات أخرى وجوديّة في الموضوع مع كونها في غاية البعد عنها ، وقد بيّنّا أنّ الجوهر لا موضوع له ، فلا يعقل فيه هذا المعنى لا بالنظر إلى جواهر أخر ولا بالنظر إلى غيره من الأعراض.
قال : ( والمعقول من الفناء العدم ).
أقول : لمّا بيّن انتفاء الضدّ من الجواهر ، أخذ يردّ على أبي هاشم وأتباعه ـ حيث جعلوا للجواهر أضدادا هي الفناء (١) ؛ فإنّه إذا خلق الفناء انتفت الأجسام بأسرها ، وهذا دليل التضادّ ـ فقال : « إنّ المعقول من الفناء العدم » وليس الفناء أمرا وجوديّا يضادّ الجواهر ؛ لأنّه إمّا جوهر أو عرض ، والقسمان باطلان ، فلا تحقّق له.
قال : ( وقد يطلق التضادّ على البعض باعتبار آخر ).
أقول : من اعتبر في التقابل امتناع الاجتماع في الموضوع ، حكم بأن لا تضادّ بين الجواهر ولا بينها وبين غيرها ؛ إذ الجوهر لا موضوع له.
__________________
(١) انظر : « شرح المقاصد » ٣ : ٨٧.