ومن اعتبر المحلّ محلّ الموضوع ، أثبت التضادّ بين الصور النوعيّة للعناصر ، فقال : إنّ بعض الجواهر قد يطلق عليه أنّه ضدّ للبعض الآخر ، لكن يوجد التضادّ باعتبار آخر ، وهو التنافي في المحلّ مطلقا ، وحينئذ يكون بعض الصور الجوهريّة يضادّ البعض الآخر.
المسألة الرابعة : في أنّ وحدة المحلّ لا تستلزم وحدة الحالّ.
قال : ( ووحدة المحلّ لا تستلزم وحدة الحالّ إلاّ مع التماثل ، بخلاف العكس ).
أقول : المحلّ الواحد قد يحلّ فيه أكثر من حالّ واحد مع الاختلاف ، كالجسم الذي يحلّ فيه أعراض متعدّدة : السواد والحركة والحرارة ، وكالمادّة التي يحلّ فيها جوهران : الصورة الجسميّة والنوعية.
هذا مع الاختلاف ، وإمّا مع التماثل فإنّه لا يجوز أن يحلّ المثلان في محلّ واحد ؛ لاستلزامه رفع الاثنينيّة ؛ لانتفاء الامتياز بالذاتيّات واللوازم ؛ لاتّفاقهما فيهما على ما هو مقتضى التماثل ، وبالعوارض ؛ لتساوي نسبتها إليهما.
فقد ظهر أنّ وحدة المحلّ لا تستلزم وحدة الحالّ إلاّ مع التماثل. وأمّا العكس فإنّه يستلزم ؛ فإنّ وحدة الحالّ تستلزم وحدة المحلّ ؛ لاستحالة حلول عرض واحد أو صورة واحدة في محلّين وهو ضروريّ.
وكلام أبي هاشم من المعتزلة في التأليف (١) وبعض الأوائل من الفلاسفة (٢) في الإضافات خطأ ؛ فإنّ التأليف عرض واحد قائم بمجموع شيئين متجاورين صارا بالاجتماع محلاّ واحدا له ، كالوحدة القائمة بالعشرة الواحدة والحياة القائمة ببنية
__________________
(١) ذهب أبو هاشم إلى أنّ التأليف عرض واحد قائم بجوهرين فردين ، وأنّ هذا هو الموجب لصعوبة الانفكاك بين أجزاء الجسم. انظر « المحصّل » : ٢٦٧ ؛ « نقد المحصّل » : ١٨٢ ؛ « شرح المقاصد » ٢ : ١٥٠ ـ ١٥٢.
(٢) نسبه الرازي إلى جمع من قدماء الفلاسفة ، كما في « نقد المحصّل » : ٢٦٧ ونسبه التفتازاني إلى بعض القدماء ، كما في « شرح المقاصد » ٢ : ١٥٠.