وذهب الباقون إلى أنّ الجسم بسيط في نفسه متّصل كاتّصاله عند الحسّ ، بمعنى أنّه لا يكون شيء من الانقسامات حاصلا فيه بالفعل ، لكنّه يقبل الانقسام إلى ما يتناهى ، كما عن محمد الشهرستاني (١) صاحب « الملل والنحل » (٢) أو إلى ما لا يتناهى ، كما عن جمهور الحكماء (٣).
وقد نفى المصنّف الجزء الذي لا يتجزّأ بقوله : « لا وجود لوضعي لا يتجزّأ بالاستقلال » وذلك لأنّ ما لا يتجزّأ من ذوات الأوضاع ـ أعني الأشياء المشار إليها بالحسّ ـ قد يوجد لا بالاستقلال ، كوجود النقطة في طرف الخطّ أو مركز الدائرة ، ولكن لا يمكن وجوده بالاستقلال ؛ لأنّ المتحيّز بالذات لا بدّ أن يكون ما يحاذى منه بعض الجهات كالفوق غير ما يحاذي منه بعضا آخر كالتحت ، فلا بدّ أن يكون منقسما في الجهات الثلاث ، فيستحيل وجود الجزء الذي لا يتجزّأ والخطّ الجوهري ، وكذا السطح الجوهري ، فيستحيل تركّب الجسم من أجزاء لا تتجزّأ.
وقد يتمسّك في إبطاله بما يدلّ على امتناع تركّب الجسم منها.
والمصنّف رحمهالله قد استدلّ عليه بوجوه :
قال : ( لحجب المتوسّط ).
أقول : هذا أحد الأدلّة على نفي الجزء.
وتقريره : أنّا إذا فرضنا جوهرا متوسّطا بين جوهرين فإمّا أن يحجبهما عن التماسّ أو لا. والثاني باطل ، وإلاّ لزم التداخل وهو محال ، وإلاّ لم يفد التأليف زيادة في الحجم. والأوّل يوجب الانقسام ؛ لأنّ الطرف الملاقي لأحدهما مغاير للطرف الملاقي للآخر ، فيلزم خلاف المفروض.
__________________
(١) هو أبو الفتح محمّد بن عبد الكريم بن أحمد ، الفيلسوف الأشعري ، له كتب كثيرة أشهرها « الملل والنحل » توفّي أواخر شعبان سنة ٥٤٨. انظر : « الكنى والألقاب » ٢ : ٣٧٤.
(٢) انظر : « نقد المحصّل » : ١٨٣ ؛ « شرح الإشارات والتنبيهات » ٢ : ٩ نقلا عن كتابه « المناهج والبيانات » ؛ « شرح المقاصد » ٣ : ٢١ ؛ « شرح المواقف » ٧ : ٥.
(٣) « شرح الإشارات والتنبيهات » ٢ : ٩ ؛ « شرح المقاصد » ٣ : ٢١ ؛ « شرح المواقف » ٧ : ٦.