أقول : هذه وجوه أخر تدلّ على نفي الجزء الذي لا يتجزّأ من مفاسد لازمة للقول به ، وأصحابه التزموها مع أنّ الحسّ يكذّبها :
أحدها : تفكيك أجزاء الرحى.
بيانه : أنّ الحسّ يشهد بأنّ المتحرّك على الاستدارة ـ كالرحى ـ باق على وضعه ونسبة أجزائه ، فإذا فرضنا خطّا خارجا من مركز الرحى إلى الطوق العظيم منها ، فذلك الخطّ يكون مركّبا من أجزاء لا تتجزّأ على هذا القول ، فإذا تحرّك الجزء الأبعد الواقع على الطوق جزءا واحدا من مسافته ، فالجزء الذي يلي المركز إمّا أن يتحرّك أقلّ من جزء أو جزءا أو يسكن.
وعلى الأوّل يلزم انقسام الجزء ، وهو خلاف الفرض.
وعلى الثاني يلزم تساوي حركة الجزء الذي على الطوق ومسافته مع الجزء الذي يلي المركز ، وهو محال بالضرورة.
وعلى الثالث يلزم انفصال الجزء الذي يلي المركز عن الجزء الذي على الطوق ، فيلزم تفكيك أجزاء الرحى ، وهو باطل بالضرورة.
الثاني : سكون المتحرّك.
بيانه أنّ السرعة والبطء كيفيّتان قائمتان بالحركة لا باعتبار تخلّل السكنات وعدمه ؛ لأنّه لو كان بسبب تخلّل السكنات ، لزم أن يكون فضل سكنات الفرس السائر من أوّل النهار إلى آخره خمسين فرسخا على حركاته ، بقدر فضل حركات الشمس من أوّل النهار إلى آخره على حركات الفرس ، لكن فضل حركات الشمس أضعاف أضعاف حركات الفرس ، فتكون سكنات الفرس أضعاف أضعاف حركاته ، لكنّ الحسّ يكذّب ذلك.
إذا ثبت هذا فنقول : إذا فرضنا أنّ فرسا ـ مثلا ـ سار من أوّل النهار إلى آخره خمسين فرسخا ، ولا شكّ أنّ الشّمس قد سارت في هذه المدّة نصف الدورة ، فعند حركة الشمس وقطعها مسافة مساوية لجزء واحد لا يخلو إمّا أن يتحرّك الفرس