قال : ( والقائل (١) بعدم تناهي الأجزاء يلزمه مع ما تقدّم (٢) النقض بوجود المؤلّف (٣) ممّا يتناهى ويفتقر في التعميم (٤) إلى التناسب (٥) ).
أقول : لمّا فرغ من إبطال مذهب القائلين بالجوهر الفرد ، شرع في إبطال مذهب القائلين بعدم تناهي الأجزاء فعلا كالنظّام ، فإنّه ومن يحذو حذوه لمّا وقفوا على أدلّة نفاة الجزء ـ كلزوم تفكيك الرحى ـ ولم يقدروا على ردّها ، اضطرّوا إلى الحكم بأنّ كلّ جسم فهو قابل للانقسام لا إلى نهاية. ولمّا كان مذهبهم أنّ حصول الانقسام من لوازم قبول الانقسام ، ظنّوا أنّ جميع الانقسامات التي لا تتناهى حاصل في الجسم بالفعل ، فصرّحوا بأنّ في الجسم أجزاء غير متناهية موجودة بالفعل ، فلزمهم القول بالجزء الذي لا يتجزّأ ؛ لأنّه إذا كان كلّ انقسام ممكن حاصلا فيه بالفعل ، فالانقسام الذي ليس بحاصل غير ممكن ، فتكون أجزاؤه غير قابلة للانقسام ، فقد وقعوا فيما كانوا هاربين عنه من إثبات الجزء ومفاسده ، مضافا إلى النقض بالجسم الذي فرض أنّه مركّب من أجزاء متناهية كالثمانية ، فإنّه جسم مع تناهي أجزائه.
وهذا هو الوجه الأوّل الدالّ على إبطال القول بعدم تناهي الأجزاء.
وأمّا قوله : « ويفتقر في التعميم إلى التناسب » فمعناه أنّا إذا أردنا تعميم القضيّة بأن يحكم أنّه لا شيء من الأجسام بمؤلّف من أجزاء غير متناهية فطريقه أن ينسب هذا المؤلّف الذي ألّفناه من الأجزاء المتناهية إلى بقيّة الأجسام ، فنقول : كلّ جسم فإنّه متناه في المقدار فله إلى هذا المؤلّف نسبة ، وهي نسبة متناهي المقدار إلى متناهي المقدار نعلم أنّ المقدار يزيد بزيادة الأجزاء أو ينقص بنقصانها ، فنسبة المقدار إلى المقدار كنسبة الأجزاء إلى الأجزاء ، لكن نسبة المقدار إلى المقدار نسبة متناه إلى
__________________
(١) أي النظّام. ( منه رحمهالله ).
(٢) من مفاسد إثبات الجزء. ( منه رحمهالله ).
(٣) أي الجسم الذي فرض أنّه مركّب من أجزاء متناهية كالثمانية. ( منه رحمهالله ).
(٤) أي الحكم بكون كلّ جسم متناهي الأجزاء. ( منه رحمهالله ).
(٥) أي ملاحظة كون نسبة حجم إلى حجم آخر كنسبة الأجزاء إلى الأجزاء في كونها نسبة المتناهي إلى المتناهي.