حتّى يلزم كون كلّ جسم مؤلّفا من أجزاء متناهية.
واعتذروا عن الوجهين الآخرين بالطفرة بأن يحاذي المتحرّك بعض أجزاء المسافة دون بعض ؛ فإنّ المتحرّك إذا قطع مسافة غير متناهية الأجزاء في زمان متناه فإنّه يطفر بعض الأجزاء فلا يحاذيه ويتحرّك عن البعض الآخر ، وكذلك السريع يطفر بعض الأجزاء فيلحق بالبطيء ، كما أنّ الشمس وقت طلوعها يبلغ ضوؤها إلى أقصى نصف كرة الأرض ونحو ذلك ، مع استحالة قطع هذه المسافة في الزمان اليسير.
ولا يخفى أنّ الضوء ليس جسما متحرّكا كما توهّموا ، بل الأجزاء الهوائيّة لكونها مستعدّة للاستضاءة تستضيء بتمام أجزائها بمجرّد المقابلة ، فيتوهّم حركة الضوء والشعاع.
وبالجملة ، فهذان العذران باطلان بالضرورة.
قال : ( والقسمة بأنواعها تحدث اثنينيّة تساوي طباع كلّ واحد منهما طباع المجموع ).
أقول : يريد أن يبطل مذهب ذيمقراطيس (١) في هذا الموضوع.
بيانه : أنّ القسمة إمّا أن توجب انفصالا في الخارج أو لا.
والأولى هي القسمة الانفكاكيّة المنقسمة إلى الكسريّة والقطعيّة بالاحتياج إلى الآلة المفصّلة بالنفوذ وعدمه.
والثانية هي القسمة الفرضيّة ، وربّما تسمّى وهميّة أيضا.
وقد يفرّق بينهما بأنّ الفرضيّة ما هو يفرض العقل كلّيّا ، والوهميّة ما هو بحسب المتوهّم جزئيّا.
والفرضيّة إمّا أن تكون بمجرّد الفرض من غير سبب حامل عليه أو تكون بسبب حامل عليه كاختلاف عرضين قارّين أو غير قارّين أو نحو ذلك.
__________________
(١) انظر : « الشفاء » الطبيعيّات ١ : ١٨٤ ـ ١٨٧ ؛ « المباحث المشرقيّة » ٢ : ١٨ ؛ « شرح الإشارات والتنبيهات » ٢ : ٥٤.