الحالين بذاته ، فهو من حيث جوهره وذاته يسمّى جسما ، ومن حيث قبوله للصّور النوعيّة التي لأنواع الأجسام يسمّى هيولى.
واختار المصنّف هذا المذهب. وقد ذهب إلى ذلك المذهب جماعة من المتكلّمين (١) وأبو البركات البغدادي (٢) كما حكي.
وقال أبو عليّ ـ على ما حكي ـ : « إنّ الجسم مركّب من الهيولى والصورة » (٣).
واحتجّ عليه بأنّ الجسم متّصل في نفسه ، وقابل للانفصال ، ويستحيل أن يكون القابل هو الاتّصال نفسه ؛ لأنّ الشيء لا يقبل عدمه ، فلا بدّ للاتّصال من محلّ يقبل الانفصال والاتّصال ، وذلك هو الهيولى ، والاتّصال هو الصورة (٤). فاستدرك المصنّف رحمهالله ذلك وقال : « إنّ ذلك ـ أي قبول الانقسام ـ لا يقتضي ثبوت مادّة » كما قرّرناه في كلام أبي عليّ ؛ لأنّ الجسم المتّصل له مادّة واحدة إذا قسمناه استحال أن تبقى تلك المادّة على وحدتها اتّفاقا ، بل يحصل لكلّ جزء مادّة.
فإن كانت مادّة كلّ جزء حادثة بعد القسمة لزم التسلسل ؛ لأنّ كلّ حادث عندهم لا بدّ له من مادّة ، وتكون تلك المادّة أيضا حادثة على هذا التقدير ، فيحتاج إلى مادّة ثالثة ، وهكذا ، فيلزم التسلسل.
وإن كانت موجودة قبل القسمة لزم وجود موادّ لا نهاية لها بحسب ما في الجسم من قبول الانقسامات التي لا تتناهى ؛ لاستحالة أن تكون مادّة هذا نفس مادّة ذاك بعينها ؛ حذرا عن كون الواحد بالشخص في آن واحد في مكان متعدّد.
وفيه : أنّ المادّة واحدة عند وحدة الاتّصال ، ومتعدّدة عند تعدّده ، كالجسم المطلق عندهم ، فلا يلزم وجود موادّ متعدّدة بالفعل ، بل المادّة شيء يعرضه الوحدة والتعدّد ؛
__________________
(١) منهم الفخر الرازي في « المحصّل » : ٢٧٤ ؛ و « المباحث المشرقيّة » ٢ : ٤٦ ـ ٥٣ ؛ والعلاّمة الحلّي في « إيضاح المقاصد » : ١٢٧ ؛ ونهاية المرام في علم الكلام » ٢ : ٥٠٧ ـ ٥٢٧.
(٢) « المعتبر في الحكمة » ٢ : ١٠ ـ ١٥.
(٣) « الشفاء » الإلهيّات : ٧١.
(٤) « الشفاء » الإلهيّات : ٦٦ ـ ٦٧ ؛ « النجاة » : ٢٠١ ـ ٢٠٢.