إذ هي مع المتّصل الواحد واحدة ، ومع المتعدّد متعدّدة ، وهي جوهر يسمّى بـ « الهيولى الأولى » ويحلّ فيه متّصل واحد حال الاتّصال ، ومتّصلان حال الانفصال ، ويسمّى ذلك الجوهر المتّصل بـ « الصورة الجسميّة » والجسم المطلق مركّب منهما ، وذلك يسمّى « جسما طبيعيّا » لكونه موجودا في الطبيعة والخارج ، والقابل للأبعاد الثلاثة ـ وهي الطول والعرض والعمق ، أعني الكمّيّة السارية في الجهات الثلاث ـ وهو « الجسم التعليمي » لتعلّق التعليم به أوّلا.
المسألة الثامنة : في إثبات المكان (١).
قال : ( ولكلّ جسم مكان طبيعيّ يطلبه عند الخروج على أقرب الطرق ).
أقول : كلّ جسم على الإطلاق ـ بسيطا كان أو مركّبا ـ فإنّه يفتقر إلى مكان يحلّ فيه ؛ لاستحالة وجود الجسم مجرّدا عن كلّ الأمكنة.
ولا بدّ وأن يكون ذلك المكان طبيعيّا له ؛ لأنّا إذا جرّدنا الجسم عن كلّ العوارض الخارجة فإمّا أن لا يحلّ في شيء من الأمكنة ، وهو محال بالضرورة ، أو يحلّ في الجميع ، وهو أيضا باطل بالضرورة ، أو يحلّ في البعض وليس مستندا إلى أمر خارج ؛ إذ المفروض خلوّه عنه ، ولا إلى الجسميّة المشتركة ؛ لأنّ نسبتها إلى الأمكنة كلّها على السويّة ، بل إلى أمر آخر داخل فيه مختصّ به ، وهو المراد بالطبيعة ، فيكون ذلك البعض طبيعيّا ؛ ولهذا إذا خرج من مكانه عاد إليه ، وإنّما يرجع إليه على أقرب الطرق ، وهو الاستقامة.
قال : ( فلو تعدّد انتفى ).
__________________
(١) المكان : الموضع ، وهو المحلّ المحدّد الذي يشغله الجسم. وذهب المشّاءون ومتأخّر والحكماء ـ كابن سينا والفارابي ـ إلى أنّ المكان هو السطح الباطن من الجسم الحاوي المماسّ للسطح الظاهر من الجسم المحوي. وأمّا الإشراقيّون فقد ذهبوا إلى أنّ المكان هو البعد المجرّد الموجود ، وهو ألطف من الجسمانيّات وأكثف من المجرّدات. وذهب المتكلّمون إلى أنّه بعد موهوم مفروض يشغله الجسم ، ويملأه على سبيل التوهّم ، وهو الخلاء.
انظر : « كشّاف اصطلاحات الفنون والعلوم » ٢ : ١٦٣٤ ـ ١٦٣٥.