المسألة التاسعة : في تحقيق ماهيّة المكان.
قال : ( والمعقول من الأوّل البعد ؛ فإنّ الأمارات تساعد عليه ).
أقول : « المكان » لغة الموضع كما في « الصحاح » (١) و « القاموس » (٢) ، وله إطلاقان :
الأوّل بحسب الاشتقاق ، وهو موضع كون الشيء وحدوثه.
والثاني الإطلاق الاسمي ، وهو ما يعتمد عليه المتمكّن عند القيام أو نحوه ممّا يحصل به الاستقرار. والظاهر عدم مدخليّة للهواء فيه.
وأرباب المعقول قد اختلفوا في حقيقة المكان.
فعند المشّائين ـ كما حكي عن أرسطو (٣) وابن سينا (٤) أيضا ـ أنّه عبارة عن السطح الباطن للجسم الحاوي المماسّ للسطح الظاهر من الجسم المحويّ.
وعند الإشراقيّين ـ كما حكي عن أفلاطون (٥) أيضا ـ أنّه عبارة عن البعد الموجود المجرّد عن المادّة ، المنقسم في جميع الجهات ، المساوي للبعد الذي في الجسم بحيث ينطبق أحدهما على الآخر الساري فيه بكلّيّته.
وعند المتكلّمين عبارة عن البعد الموهوم الذي يشغله الجسم على سبيل التوهّم على وجه الانطباق المذكور (٦).
ومثله الحيّز ؛ فإنّه الفراغ الموهوم المشغول بالمتحيّز الذي لو لم يشغله ، لكان
__________________
(١) « الصحاح في اللغة » ٤ : ٢١٩١ ، « كون ».
(٢) « القاموس المحيط » ٤ : ٢٦٦ ، « كون ».
(٣) نقل عنه في « جامع المقاصد » ٢ : ١٩٩ ؛ « شرح تجريد العقائد » : ١٥٧ ؛ « شوارق الإلهام » ٢ : ٣٠٠.
(٤) « الشفاء » الطبيعيات ١ : ١٣٧ ؛ « النجاة » : ١٢٤ ؛ « شرح الإشارات والتنبيهات » ٢ : ١٨٥ ؛ « رسالة الحدود » : ٣٣.
(٥) انظر : « جامع المقاصد » ٢ : ١٩٩ ـ ٢٠٠ ؛ « شرح تجريد العقائد » : ٣٠١ ؛ « شوارق الإلهام » ٢ : ٣٠٠ ؛ « كشّاف اصطلاحات الفنون » ٢ : ١٦٣٥ ؛ « جامع العلوم في اصطلاحات الفنون » ٣ : ٣٠٧.
(٦) « نهاية المرام » ١ : ٣٨٤ ؛ « التعريفات » : ٢٩٢ ، الرقم ١٤٦٦ ؛ « جامع العلوم في اصطلاحات الفنون » ٣ : ٣١٧ ؛ « كشّاف اصطلاحات الفنون » ٢ : ١٦٣٥.