خلاء ، كداخل الكوز للماء (١).
وعند بعض هو ما يوجب الامتياز في الإشارة الحسّيّة (٢) فهو أعمّ من المكان ، لتناوله الوضع الذي يمتاز به المحدّد عن غيره في الإشارة الحسّيّة ؛ إذ ليس وراءه جسم آخر.
نعم ، له وضع ومحاذاة بالنسبة إلى ما في جوفه.
والمصنّف اختار مذهب من قال بالبعد ؛ فإنّ « الأوّل » يعني به المكان ؛ لأنّه قد بيّن أنّ الجسم يقتضي بطبعه شيئين : المكان والشكل ، ولمّا كان الشكل ظاهرا وكان طبيعيّا ذكره بعد المكان ، ثمّ عاد إلى تحقيق ماهيّة المكان ، فالمراد أنّ المعقول من المكان البعد وإن كان فيه بعد.
والدليل على ما اختاره المصنّف أنّ المعقول من المكان إنّما هو البعد فإذا فرضنا الكوز خاليا من الماء ، تصوّرنا الأبعاد التي يحيط بها جرم الكوز بحيث إذا ملئ ماء شغلها الماء بجملتها والأمارات المشهورة في المكان ـ من قولهم : إنّه ما يتمكّن المتمكّن فيه ويستقرّ عليه ويساويه ، وما يوصف بالخلوّ والامتلاء ـ تساعد على أنّ المكان هو البعد المنقسم في جميع الجهات ، المساوي للبعد الذي في الجسم بحيث ينطبق أحدهما على الآخر الساري فيه بكلّيّته. وذلك البعد إمّا أن يكون أمرا موهوما يشغله الجسم ويملؤه على سبيل التوهّم كما عن المتكلّم (٣) ، أو يكون بعدا موجودا مجرّدا ؛ لئلاّ يلزم تداخل الأجسام ، ويكون جوهرا ؛ لقيامه بذاته وتوارد الممكنات عليه مع بقاء تشخّصه ، فكأنّه جوهر متوسّط بين العالمين ، أعني الجواهر المجرّدة
__________________
(١) « كشّاف اصطلاحات الفنون والعلوم » ١ : ٧٢٥.
(٢) نسبه الجرجاني في « شرح المواقف » ٥ : ١٣١ إلى القيل. وفي « كشّاف اصطلاحات الفنون » ١ : ٧٢٥ نسبه إلى التفتازاني.
(٣) انظر : « جامع المقاصد » ٢ : ١٩٩ ـ ٢٠٠ ؛ « شرح تجريد العقائد » : ٣٠١ ؛ « شوارق الإلهام » ٢ : ٣٠٠ ؛ « كشّاف اصطلاحات الفنون » ٢ : ١٦٣٥.