أقول : لمّا بحث عن المكان وكانت الجهة ملائمة له ؛ لكون كلّ واحد منهما مقصدا للمتحرّك الأيني حتّى ظنّ أنّهما واحد ، عقّبه بالبحث عنها ، وهي ـ على ما حكي (١) عن جماعة من الأوائل (٢) ـ عبارة عن طرف الامتداد الحاصل في مأخذ الإشارة ؛ وذلك لأنّا نتوهّم امتدادا آخذا من المشير ومنتهيا إلى المشار إليه ، فذلك المنتهى هو طرف الامتداد الحاصل في مأخذ الإشارة ، وذلك الطرف بالنسبة إلى الحركة والإشارة يسمّى جهة ، وهو مقصد للمتحرّك بنحو الوصول إليه ، وأمّا المكان فهو مقصد للمتحرّك بالحصول فيه.
قال : ( وليست منقسمة ).
أقول : لمّا كانت الجهة عبارة عن الطرف لم تكن منقسمة ؛ لأنّ الطرف لو كان منقسما لم يكن الطرف كلّه طرفا ، بل نهايته تكون طرفا ، وهذا خلف ؛ ولأنّ المتحرّك إذا وصل إلى المقصد لم يخل إمّا أن لا يكون متحرّكا عن الجهة فلا يكون ما خلّف من الجهة ، أو يكون متحرّكا إليها فلا يكون المتروك من الجهة.
قال : ( وهي من ذوات الأوضاع المقصودة بالحركة للحصول فيها وبالإشارة ).
أقول : الجهة ليست أمرا مجرّدا عن الموادّ وعلائقها ، بل هي من ذوات الأوضاع التي تتناولها الإشارة الحسّيّة وتقصد بالحركة وبالإشارة ، فتكون موجودة ؛ لأنّ المعدوم لا يكون منتهى الإشارة الحسّيّة ومقصد المتحرّك للحصول فيه ، مع أنّ الجهة يقصد بالحركة الحصول فيها بمعنى الوصول إليها والقرب منها ؛ لأنّه المتعارف في التعبير ، فلا يرد أنّ الصواب أن يقال : « للوصول إليها » أو « القرب منها » كما في شرح القوشجي (٣).
__________________
(١) حكاه العلاّمة في « كشف المراد » : ١٥٤.
(٢) منهم ابن سينا في « الإشارات والتنبيهات » ، راجع « شرح الإشارات والتنبيهات » ٢ : ١٦٧ ، وفي « شرح المواقف » ٧ : ٨٢ نسبه إلى الحكماء.
(٣) « شرح تجريد الاعتقاد » : ١٦٤.