وقوله : « للحصول فيها » إشارة إلى دفع دخل مقدّر ، وهو أنّ ما يقصد بالحركة قد يكون معدوما ، كالبياض الذي يتحرّك الجسم إليه من السواد ؛ فإنّه معدوم.
ووجه الدفع : أنّه مقصود لتحصيله ، لا للحصول فيه.
قال : ( والطبيعي منها فوق وسفل وما عداهما غير متناه ).
أقول : المراد أنّ الجهة على قسمين : طبيعي وغير طبيعي.
والطبيعي ما يكون بالطبع ويستحيل تغيّره وانتقاله عن هيئته وتبدّله.
وغير الطبيعي ما يمكن تغيّره ، فإنّ القدّام ـ مثلا ـ قد يصير خلفا ، وكذا اليمين واليسار يتبدّلان.
وأمّا الفوق والسفل فلا تغيّر فيهما بالفرض ؛ لأنّ القائم إذا صار منكوسا لم يصر ما يلي رأسه فوقا وما يلي رجله تحتا ، بل صار رأسه من تحت ورجله من فوق.
وهذه الجهات التي ليست طبيعيّة وتكون متبدّلة غير متناهية ؛ لأنّها أطراف الخطوط المفروضة وتلك الخطوط غير متناهية ؛ إذ يمكن أن يفرض في كلّ جسم امتدادات غير متناهية ويكون كلّ طرف منها جهة.
والحكم بأنّ الجهات ستّ مشهور لا أصل له ، وسبب الشهرة أنّ الإنسان يحيط به جنبان عليهما اليدان وظهر وبطن ورأس وقدم ، والجانب الأقوى يسمّى يمينا ، وما يقابله يسارا ، وما يحاذي وجهه قدّاما ، وخلافه خلفا ، وما يلي رأسه طبعا فوقا ، وما يقابله تحتا.
مضافا إلى أنّ كلّ جسم يمكن أن يفرض فيه أبعاد ثلاثة متقاطعة على زوايا قوائم ، ولكلّ بعد طرفان ، فلكلّ جسم جهات ستّ. والتعيين بملاحظة ما ذكر.
ولا شكّ أنّ قيام بعض الامتدادات على بعض ممّا لا يجب في اعتبار الجهات ، فيمكن أن يفرض من في جسم واحد امتدادات غير متناهية ، فتكون الجهات التي ليست لطبيعة غير متناهية.