وثانيا : أنّ عدد الأفلاك ـ على ما هو المشهور ـ ترتقي إلى خمسة وعشرين ؛ لأنّ لكلّ من المتحيّرة مع القمر تدويرا واحدا فالتداوير ستّة ، ولكلّ من السيّارة فلكا خارج المركز سوى عطارد فإنّ له فلكين خارجي المركز فالأفلاك الخارجة المركز ثمانية ، وللقمر فلكان آخران موافقا المركز على ما مرّ ، فعدد الأفلاك الجزئيّة تصير ستّة عشر ، وهي مع الأفلاك الكلّيّة التسعة ترتقي إلى خمسة وعشرين.
نعم ، لو لم يجعلوا الكرة المحيطة بالمائل فلكا برأسه بل جعلوها مع المائل فلكا واحدا تعلّق به نفس تحرّكه بحركة الجوزهرّين ، كانت تلك الكرة جزءا من الفلك ، كالمتمّمات غير معدودة في عداد الأفلاك ، وكان عداد الأفلاك على ما ذكره أربعة وعشرين ، إلاّ أنّ أصحاب هذا الفنّ قاطبة صرّحوا بأنّ الفلك الأوّل من أفلاك القمر هو الفلك الممثّل ويسمّى بالجوزهرّ أيضا ، محدّبه مماسّ لمقعّر فلك عطارد ، ومقعّره لمحدّب الفلك الثاني من أفلاكه ، ويسمّى بالفلك المائل ، فتلك الكرة يجب أن تعدّ من أفلاك القمر وليست فلكا كلّيّا ، وإلاّ لكان المائل أيضا فلكا كلّيّا فيصير عدد الأفلاك الكلّيّة عشرة ، وهو خلاف ما ذهبوا إليه ، فهو من الأفلاك الجزئيّة ويلزم ما ذكرنا.
ومايقال : من أنّ إثبات الأفلاك على الوجه المخصوص مبنيّ على نفي القادر المختار وعدم تجويز الخرق والالتئام على الأفلاك ، وأنّها لا تشتدّ في حركاتها ولا تضعف ، ولا يكون لها رجوع ولا انعطاف ولا وقوف ولا اختلاف حال غيرها ، بل تكون أبدا متحرّكة حركة بسيطة في الجهة التي تتحرّك إليها إلى غير ذلك من المسائل الطبيعيّة التي بعضها مخالف للشرع ؛ إذ لولاها لأمكن أن يقال : إنّ القادر المختار بحسب إرادته يحرّك تلك الأفلاك على النظام المشاهد (١).
فمدفوع : أوّلا : بأنّ أكثر مسائل هذا الفنّ ودلائله مقدّمات حدسيّة يجزم العقل
__________________
(١) انظر : « شرح المقاصد » ٣ : ١٦٩ ـ ١٧٠.