بثبوتها ، مثلا : مشاهدة التشكّلات البدريّة والهلاليّة على الوجه المرصود توجب اليقين بأنّ نور القمر مستفاد من نور الشمس ، وأنّ الخسوف إنّما هو بسبب حيلولة الأرض بين الشمس والقمر ، وأنّ الكسوف إنّما هو بسبب حيلولة القمر بين الشمس والإبصار مع القول بثبوت القادر المختار ، بمعنى أنّ ما ذكر تحقّق بجعل الواجب تعالى وصنعه على وجه الاختيار.
وثانيا : أنّ المراد أنّه يمكن أن يكون الأمر على الوجه المذكور ، وما تنضبط به أحوال الكواكب على ما سطر في علم الهيئة وإن أمكن أن يكون على الوجه الآخر أيضا ، ولكن مقتضى الحدس أن يكون على الوجه المذكور.
ثمّ اعلم أنّ الأفلاك لها أحوال :
منها : أنّها تشتمل على كواكب غير محصورة ، ولكن أهل الرصد توهّموا ثماني وأربعين صورة لكواكب رصدوها وعيّنوا مواضعها طولا وعرضا ، وهي سبعة سيّارة ، منها خمسة متحيّرة ، أعني ما عدا الشمس والقمر من الكواكب السبعة السيّارة ؛ لكون حركتها تارة على الاستقامة وأخرى على الرجعة فكأنّها متحيّرة ، بخلاف الشمس والقمر فإنّ حركتهما دائما على التوالي وطريقة واحدة. وتلك الكواكب في أفلاك سبعة أو خمسة ـ على اختلاف النسخة ـ على وجه سبق إليه الإشارة ، وما عداها ثوابت عيّنوها في فلك البروج ، وهي ألف واثنان وعشرون ـ أو خمسة وعشرون ـ كوكبا كما ذكر وإن كان النيّف أعمّ ؛ لكونه عبارة عمّا بين الواحد والعشرة إجمالا.
ومنها : أنّ الأفلاك كلّها بسائط غير مركّبة من أجسام مختلفة الطبائع بحسب الحقيقة ، وإلاّ لكان أجزاؤها المختلفة الطبائع قابلة للانتقال إلى أحيازها الطبيعيّة بالحركة المستقيمة ، وما يقبل الحركة المستقيمة فإنّه متّجه الى جهة وتارك للأخرى ، وتقدّم الجزء على الكلّ يستلزم تقدّم الجهات على الفلك ، فيلزم أن تكون الجهات متحدّدة قبل الفلك مع أنّها متحدّدة بالفلك الأعظم.