وينتقض بالماء الحارّ إذا امتزج بالماء البارد واعتدلا ؛ فإنّ الفعل والانفعال بين الحارّ والبارد هناك موجود مع أنّه لا صورة تقتضي الحرارة في البارد.
وقيل : الفاعل هو الكيفيّة ، والمنفعل هو المادّة (١) ، مثلا : تفعل حرارة الماء الحارّ في مادّة الماء البارد فتكسر البرودة التي هي كيفيّة الماء البارد ، وتحصل كيفيّة متشابهة متوسّطة بين الحرارة والبرودة وهي المزاج. وهذا اختيار المصنّف رحمهالله.
وفيه نظر ؛ لأنّ المادّة إنّما تقبل (٢) في الكيفيّة الفاعليّة لا في غيرها ، ويعود البحث من كون المغلوب يصير غالبا أو اجتماع الغالبيّة والمغلوبيّة للشيء الواحد في الوقت الواحد بالنسبة [ إلى شيء واحد ] (٣) وهو باطل.
ولهذا ذهب جماعة ـ على ما حكي (٤) ـ إلى أنّه لا فعل ولا انفعال بين العناصر المجتمعة ، بل اجتماعها على صرافة كيفيّاتها معدّ تامّ لزوال تلك الكيفيّات الصرفة ووجود كيفيّة أخرى متوسّطة بينها فائضة من المبدأ على تلك العناصر.
قال : ( مع حفظ صور البسائط ).
أقول : نقل عن الشيخ في هذا الموضع أنّه قال في كتاب « الشفاء » : إنّ هنا مذهبا غريبا ، وهو أنّ البسائط إذا اجتمعت وتفاعلت بطلت صورها النوعيّة المقوّمة لها ، وحدثت صورة أخرى نوعيّة مناسبة لمزاج ذلك المركّب.
واحتجّوا بأنّ العناصر لو بقيت على طبائعها حتّى اتّصف الجزء الناريّ ـ مثلا ـ بالصورة اللحميّة ، أمكن أن تعرض للنار بانفرادها أيضا ، فتصير النار البسيطة لحما.
__________________
(١) قال به أثير الدين الأبهري ، وهو ما ذهب إليه بعض المحقّقين ، كما عن الميبدى في « شرح الهداية الأثيرية » : ١١٩.
(٢) كذا في الأصل ، والصحيح : « تنفعل ».
(٣) الزيادة أثبتناها من « كشف المراد » : ١٦٤. وهي موجودة في الأصل ، لكن شطب عليها.
(٤) الحاكي هو القوشجي في « شرح تجريد العقائد » : ١٧٥.