وذهب النظّام (١) إلى أنّها مختلفة ؛ لاختلاف خواصّها (٢).
وهو باطل ؛ لأنّ ذلك يدلّ على اختلاف الأنواع ، لا على اختلاف المفهوم من الجسم من حيث هو جسم ، بل المشهور هو المنصور كما اختاره المصنّف رحمهالله ، واستدلّ عليه بأنّ الجسم من حيث هو جسم يحدّ بحدّ واحد عند الجميع ، أمّا عند الأوائل فإنّ حدّه : الجوهر القابل للأبعاد (٣). وأمّا المتكلّمون فإنّهم يحدّونه بأنّه الطويل العريض العميق (٤).
وهذا الحدّ الواحد لا قسمة فيه ، فالمحدود واحد ؛ لاستحالة اجتماع المختلفات في حدّ واحد من غير قسمة ، بل متى جمعت المختلفات في حدّ واحد وقع فيه التقسيم ضرورة ، كقولنا : « الحيوان إمّا ناطق أو صاهل » ويراد بهما الإنسان والفرس.
المسألة الثالثة : في أنّ الأجسام باقية.
قال : ( والضرورة قضت ببقائها ).
أقول : المشهور عند العقلاء أنّ الأجسام باقية زمانين وأكثر بحكم الضرورة ، بمعنى أنّا نعلم بالضرورة أنّ كتبنا وثيابنا ودوابّنا هي بعينها التي كانت قبل الزمان الثاني وما بعده من غير تبدّل في الذات وإن اختلفت العوارض والهيئات ، فلا يتوجّه الإشكال باحتمال تجدّد الأمثال.
ونقل عن النظّام خلافه (٥) ؛ بناء منه على امتناع إسناد العدم إلى الفاعل ، وأنّه لا ضدّ
__________________
(١) هو إبراهيم بن سيّار بن هانئ البصري أبو إسحاق النظّام من أئمّة المعتزلة ، كان من المتبحّرين في الفلسفة ، وله آراء خاصّة تميّز بها ، تابعته فيها فرقة من المعتزلة سمّيت النظّامية نسبة إليه ، توفّي سنة ٢٣١.
انظر : « تاريخ بغداد » ٦ : ٩٧ ؛ « أمالي المرتضى » ١ : ١٣٢.
(٢) نقله عنه الفخر الرازي في « المحصّل » : ٣٠٥ ، والخواجة في « نقد المحصّل » : ٢١٠.
(٣) « رسالة الحدود » لابن سينا : ٢٢ ؛ « التعريفات » للجرجاني : ١٠٣ ، الرقم ٤٩١ ؛ « كشّاف اصطلاحات الفنون » ١ : ٥٦١.
(٤) « شرح المقاصد » ٣ : ٦ ؛ « كشّاف اصطلاحات الفنون » ١ : ٥٦٢ ـ ٥٦٣.
(٥) « المحصّل » : ٣٠٥ ؛ « شرح المواقف » ٧ : ٢٣ ؛ « شرح المقاصد » ٣ : ٨٤ ـ ٨٧.