وهما ضعيفان ؛ لأنّ القياس الأوّل خال عن الجامع ، والقياس المشتمل على الجامع لا يفيد اليقين ، فكيف الخالي عنه!؟ مع قيام الفرق ؛ فإنّ الكون لا يقبل خلوّ متحيّز عنه بالضرورة ، بخلاف اللون فإنّه يمكن أن يتصوّر الجسم خاليا عنه.
وأمّا امتناع الخلوّ عنها بعد الاتّصاف فهو ممنوع. ولو سلّم لظهر الفرق أيضا ؛ لأنّ الخلوّ بعد الاتّصاف إنّما امتنع لافتقار الزوال بعد الاتّصاف إلى طريان الضدّ ، بخلاف ما قبل الاتّصاف ؛ لعدم الحاجة إليه.
المسألة الخامسة : في أنّ الأجسام تجوز رؤيتها.
قال : ( وتجوز رؤيتها بشرط الضوء واللون ، وهو ضروريّ ).
أقول : ذهب الحكماء إلى أنّ الأجسام مرئيّة ، لكنّه لا بالذات بل بالعرض ، فإنّها لو كانت مرئيّة بالذات لرئي الهواء ، والتالي باطل فالمقدّم مثله.
وإنّما يمكن رؤيتها بتوسّط الضوء واللون ، بمعنى أنّ المرئيّ أوّلا وبالذات هو الألوان والأضواء القائمة بسطوح الأجسام ، ثمّ العقل بمعونة هذا الإحساس يحكم بأنّ ما بين تلك السطوح جواهر ممتدّة في الجهات ـ أعني الأجسام ـ فهي مرئيّة ثانيا وبالعرض.
وذهب المتكلّمون إلى أنّها مرئيّة بذواتها بشرط تكيّفها بالأضواء والألوان ، واختاره المصنّف فأفاد أنّ هذا حكم ضروريّ يشهد به الحسّ (١).
المسألة السادسة : في أنّ الأجسام حادثة.
قال : ( والأجسام كلّها حادثة ؛ لعدم انفكاكها من جزئيّات متناهية حادثة ؛ فإنّها لا تخلو عن الحركة والسكون ، وكلّ منهما حادث ، وهو ظاهر ).
__________________
(١) راجع « المحصّل » : ٣٠٧ ـ ٣٠٨ ؛ « نقد المحصّل » : ٢١٣ ـ ٢١٤ ؛ « نهاية المرام » ٢ : ٥٩٣ ـ ٥٩٦ ؛ « شرح تجريد العقائد » : ١٨٣.