أقول : هذه المسألة من أجلّ المسائل وأشرفها ، وهي المعركة العظيمة بين الحكماء والمتكلّمين ، وقد اضطربت أنظار العقلاء فيها ، وعليها مبنى القواعد الإسلاميّة.
وقد اختلف الناس فيها.
فذهب أرباب الملل والنحل ـ وهم المسلمون والنصارى واليهود والمجوس ـ إلى أنّ الأجسام محدثة.
وذهب جمهور الحكماء إلى أنّها قديمة (١). والمراد قدم أصول العالم كالأفلاك والعناصر ، ضرورة فساد دعوى قدم المواليد كالحوادث اليوميّة.
ودليل المتكلّمين على أنّ الأجسام حادثة : أنّها لا تخلو عن أمور متناهية حادثة ، وكلّ ما لم يخل عن أمور متناهية حادثة فهو حادث ، فالأجسام حادثة.
أمّا الصغرى ؛ فلأنّ الأجسام لا تخلو عن الحركة والسكون ، وهما من الأمور الحادثة المتناهية.
أمّا بيان عدم انفكاك الجسم عنهما فضروريّ ؛ لأنّ الجسم لا يعقل موجودا في الخارج منفكّا عن المكان ، فإن كان لابثا فيه غير منتقل عنه فهو الساكن ، وإن كان منتقلا عنه فهو المتحرّك.
وأمّا بيان حدوثهما فظاهر ؛ لأنّ الحركة هي حصول الجسم في الحيّز بعد أن كان في حيّز آخر.
وبعبارة أخرى : كون الشيء في الآن الثاني في المكان الثاني ، والسكون هو حصول الجسم في الحيّز بعد أن كان في ذلك الحيّز.
وبعبارة أخرى : كون الشيء في الآن الثاني في المكان الأوّل ، وكلّ منهما مسبوق بحصول الحال المنتقل إليها ، والمسبوقيّة تقتضي الحدوث ، فإذا كان اللازم حادثا
__________________
(١) راجع « المحصّل » : ٢٧٦ ـ ٣٠٣ ؛ « نقد المحصّل » : ١٨٩ وما بعدها ؛ « نهاية المرام » ٣ : ٣ وما بعدها ؛ « شرح المواقف » ٧ : ٢٢٠ ـ ٢٣١ ؛ « شرح المقاصد » ٣ : ١٠٧ ـ ١٢٧ ؛ « الأسفار الأربعة » ٥ : ٢٠٥ وما بعدها.