إلاّ بها ثبت حدوثها ».
قال : ( واختصّ الحدوث بوقته ؛ إذ لا وقت قبله ، والمختار يرجّح أحد مقدوريه لا لأمر مرجّح عند بعضهم ).
أقول : لمّا بيّن حدوث العالم شرع في الجواب عن شبه الفلاسفة (١) ، وأقوى شبههم ثلاثة أجاب المصنّف رحمهالله عنها في هذا الكتاب :
الشبهة الأولى ـ وهي أعظمها ـ أنّهم قالوا : إنّ المؤثّر التامّ في العالم إمّا أن يكون أزليّا أو حادثا.
فإن كان أزليّا لزم قدم العالم ؛ لأنّه عند وجود المؤثّر التامّ يجب وجود الأثر ؛ لأنّه لو تأخّر عنه ثمّ وجد ، لم يخل : إمّا أن يكون لتجدّد أمر أو لا ، والأوّل يستلزم كون ما فرضناه مؤثّرا تامّا ليس بتامّ ، وهذا خلف. والثاني يستلزم ترجيح أحد طرفي الممكن لا بمرجّح ؛ لأنّ اختصاص وجود الأثر بالوقت الذي وجد فيه دون ما قبله وما بعده ـ مع حصول المؤثّر التامّ ـ يكون ترجيحا من غير مرجّح.
وإن كان المؤثّر في العالم حادثا نقلنا الكلام إلى علّة حدوثه ، ويلزم التسلسل أو الانتهاء إلى المؤثّر القديم ، وهو محال ؛ للزوم تخلّف الأثر عنه ، وهذا المحال إنّما نشأ من فرض حدوث العالم.
وقد أجاب المتكلّمون عن هذه الشبهة بوجوه :
أحدها : أنّ المؤثّر التامّ قديم ، لكنّ الحدوث اختصّ بوقت الإحداث ؛ لانتفاء وقت قبله ، والأوقات التي يطلب فيها الترجيح معدومة ولا تتمايز إلاّ في الوهم ، وأحكام الوهم في مثل ذلك غير مقبولة ، بل الزمان يبتدئ وجوده مع أوّل وجود العالم ، ولم يمكن وقوع ابتداء سائر الموجودات قبل ابتداء وجود الزمان أصلا.
__________________
(١) لمزيد الاطّلاع حول هذا المبحث راجع « شرح الأصول الخمسة » : ١١٥ ـ ١١٨ ؛ « المطالب العالية » ٤ : ٢٣٩ ـ ٢٤٥ ؛ « المحصّل » : ٢٩٩ ـ ٣٠٣ ؛ « نقد المحصّل » : ٢٠٥ ـ ٢٠٨ ؛ « نهاية المرام » ٣ : ١٣٦ ـ ١٧٩ ؛ « شرح المواقف » ٧ : ٢٢٨ ـ ٢٣١ ؛ « شرح المقاصد » ٣ : ١٢٠ ـ ١٢٧.