نفسا بل عقلا ، وهو محال ؛ لأنّها مشروط تأثيرها بالأجسام ، فلو كانت سابقة عليها لكان السابق مشروطا باللاحق في تأثيره المستند إليه ، وهو محال ؛ لاستلزامه تقدّم الشيء على نفسه.
وإلى هذا أيضا أشار بقوله : « ولا سبق لمشروط » أي النفس المشروطة « باللاحق » أي الجسم « في تأثيره ».
وأمّا الخامس : فلأنّ العرض محتاج في وجوده إلى الجوهر ، فلو كان المعلول الأوّل عرضا لكان علّة للجواهر كلّها ، فيكون السابق مشروطا في وجوده باللاحق ، وهو باطل بالضرورة.
وإليه أشار بقوله : « ولا سبق لمشروط باللاحق في وجوده ».
فالحاصل : أنّ الصورة والعرض مشروطان بالمادّة والجوهر ، فلا يكونان سابقين عليهما. والنفس إنّما تؤثّر بواسطة الجسم ، فلا تكون متقدّمة عليه تقدّم العلّة على المعلول ، وإلاّ لاستغنت في تأثيرها عنه. فتعيّن أن يكون المعلول الأوّل هو العقل ، وهو المطلوب.
إذا عرفت هذا الدليل ، فنقول ـ بعد تسليم أصوله ـ : إنّه إنّما يتمّ لو كان المؤثّر موجبا ، أمّا إذا كان مختارا فلا ؛ فإنّ المختار تتعدّد آثاره وأفعاله بتعدّد إرادته أو تعلّقاتها أو تعدّد متعلّقها كما ورد أنّه تعالى « خلق الأشياء بالمشيئة وخلق المشيئة بنفسها » (١). وسيأتي الدليل على أنّه مختار.
قال : ( وقولهم : استدارة الحركة توجب الإرادة المستلزمة للتشبّه بالكامل ؛ إذ طلب الحاصل فعلا أو قوّة يوجب الانقطاع ، وغير الممكن محال ؛ لتوقّفه على دوام ما أوجبنا انقطاعه ، وعلى حصر أقسام الطلب ، مع المنازعة في امتناع طلب المحال ).
__________________
(١) « التوحيد » : ١٤٨ / ١٩ باب صفات الذات وصفات الأفعال ، و ٣٣٩ / ٨ باب المشيئة والإرادة.