نمنع استحالة طلب المحال بجواز الجهل على الطالب.
قال : ( وقولهم (١) : لا علّيّة بين المتضايفين ، وإلاّ لأمكن الممتنع وعلّل الأقوى بالأضعف ؛ لمنع الامتناع الذاتي ).
أقول : هذا هو الوجه الثالث من الوجوه التي استدلّوا بها على إثبات العقول.
وتقريره أن يقال : إنّ الأفلاك ممكنة فلها علّة ، فهي إن كانت غير جسم ولا جسمانيّ ثبت المطلوب.
وإن كانت العلّة أمرا جسمانيّا لزم الدور ؛ لتوقّفه على الجسم المتوقّف على علّة الأفلاك.
وإن كانت جسما ، فإمّا أن يكون الحاوي علّة للمحويّ أو بالعكس ، والثاني محال ؛ لأنّ المحويّ أضعف من الحاوي ، فلو كان علّة لزم تعليل الأقوى ـ الذي هو الحاوي ـ بالأضعف الذي هو المحويّ ، وهو محال. والأوّل ـ وهو أن يكون الحاوي علّة في المحويّ ـ محال أيضا.
وبيانه يتوقّف على مقدّمات :
إحداها : أنّ الجسم لا يكون علّة إلاّ بعد صيرورته شخصا معيّنا ، وهو ظاهر ؛ لأنّه إنّما يؤثّر إذا صار موجودا بالفعل ولا وجود لغير الشخص.
الثانية : أنّ المعلول حال فرض العلّة ووجوبها (٢).
الثالثة : أنّ الأشياء المتصاحبة لا تتخالف في الوجوب والإمكان.
إذا عرفت هذا ، فنقول : لو كان الحاوي علّة للمحويّ لكان متقدّما بشخصه المعيّن على وجود المحويّ ، فيكون المحويّ حينئذ ممكنا ، فيكون انتفاء الخلاء ممكنا ؛ لأنّه
__________________
(١) لفظة « وقولهم » ساقطة من بعض نسخ « التجريد » ، والظاهر أنّها من سهو النسّاخ ، ويؤيّد ذلك أنّ الشارح رحمهالله قد أسقطها عند تطبيق ألفاظ الكتاب ، كما سيأتي في الصفحة ٣٤١.
(٢) كذا في الأصل ، والعبارة ـ كما يبدو ـ ناقصة. وفي « كشف المراد » : ١٨١ هكذا وردت : « الثانية : أنّ المعلول حال فرض وجود العلّة يكون ممكنا ، وإنّما يلحقه الوجوب بعد وجود العلّة ووجوبها ».