مصاحب لوجود المحويّ ، لكنّ الخلاء ممتنع لذاته.
والجواب ـ بعد تسليم امتناع الخلاء ـ : أنّا لا نسلّم كون الامتناع ذاتيّا.
إذا عرفت هذا ، فنرجع إلى تطبيق ألفاظ الكتاب ، فنقول :
قوله : « لا علّيّة بين المتضايفين » الذي يفهم من هذا الكلام أنّه لا علّيّة بين الحاوي والمحويّ ، وسمّاهما المتضايفين ؛ لأنّه أخذهما من حيث هما حاو ومحويّ ، وهذان الوصفان من باب المضاف.
وقوله : « وإلاّ لأمكن الممتنع » إشارة إلى ما مرّ من إمكان الخلاء الممتنع لذاته على تقدير كون الحاوي علّة.
وقوله : « أو علّل الأقوى بالأضعف » إشارة إلى ما بيّنّاه من كون الضعيف علّة في القويّ على تقدير كون المحويّ علّة للحاوي.
وقوله : « لمنع الامتناع الذاتي » إشارة إلى ما بيّنّاه في الجواب من المنع من كون الخلاء ممتنعا لذاته.
واعلم أنّ بعض (١) أهل الإشراق استدلّ بالبرهان الأشرف على ثبوت العقل ، وهو أنّ الواجب تعالى أشرف العلل ، فيجب أن يكون معلوله أشرف المعلولات بكونه مجرّدا عن المادّة ، وصاحب الكمالات الفعليّة من غير أن يكون فيه القوّة ، وعدم اشتماله على جهة النقص إلاّ نقص الإمكان والحدوث والحاجة ، فيكون بالفعل صاحب نحو العلم والقدرة من الكمالات الذاتيّة ، وهو المراد بالعقل كما ورد في النقل « أنّ أوّل ما خلق الله العقل » (٢) ويطابقه العقل ؛ لأنّ المقتضي ـ وهو المبدأ الفيّاض ـ موجود ، والمانع مفقود.
اللهمّ إلاّ أن يقال : إنّ عدم الإرادة مانع ، مضافا إلى إمكان أن يقال : إنّ أوّل
__________________
(١) هذا البعض هو صدر المتألّهين محمّد بن إبراهيم الشيرازي ، انظر كتابه « الأسفار الأربعة » ٧ : ٢٦٣.
(٢) « عوالي اللآلئ » ٤ : ٩٩ / ١٤١ ؛ « مكارم الأخلاق » ٢ : ٣٣٢ / ٢٦٥٦.