قال الله تعالى : ( إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ ) (١) و ( لا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ ) (٢) و ( يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً ) (٣).
وبالجملة ، فالظاهر أنّ النفس جوهر مجرّد أو مادّي تعلّق بالأجسام تعلّق التدبير والتصرّف ، وليس بعرض أو نحوه كما هو ظاهر جعله كمالا.
وقد عرّفها الحكماء أنّها كمال أوّل لجسم طبيعيّ آليّ ذي حياة بالقوّة (٤).
والمراد بالكمال ما يكمل به النوع إمّا في ذاته ويسمّى كمالا أوّلا كصورة السيف للحديد ، أو في صفاته ويسمّى كمالا ثانيا كالقطع للسيف.
و « الجسم » يخرج المجرّدات ، و « الطبيعيّ » يخرج صور الجسم الصناعي كهيئة السرير والسيف ، و « الآلي » يخرج نحو المعدني ممّا يؤثّر بالخاصّيّة لا بالآلة.
والمراد بـ « ذي الحياة بالقوّة » المخرج للنفس الفلكيّة ـ على زعمهم ـ ما يمكن أن يصدر عنه ما يصدر عن الأحياء ، لا ما تكون حياته بالقوّة ، كما هو المتبادر حتّى يخرج النفوس الحيوانيّة والإنسانيّة. وقد وافقهم المصنّف.
وعرّفوا النفس بالكمال دون الصورة ؛ لأنّ النفس الإنسانيّة غير حالّة في البدن ، فليست صورة له بل هي كمال له ، ولكنّ الكمال منه أوّل وهو الذي يتنوّع به الشيء كالفصول ، ومنه ثان وهو ما يعرض للنوع بعد كماله من صفاته اللازمة والعارضة ، فالنفس من القسم الأوّل ، وهي كمال لجسم طبيعيّ غير صناعيّ كالسرير وغيره ، وليست كمالا لكلّ طبيعي حتّى البسائط ، بل هي كمال لجسم طبيعيّ آليّ تصدر عنه الأفعال بواسطة الآلات ، ويصدر عنه ما يصدر عن ذي الحياة ، وهي التغذّي والتنمية والتوليد والإدراك والحركة الإراديّة والنطق.
__________________
(١) يوسف (١٢) : ٥٣.
(٢) القيامة (٧٥) : ٩.
(٣) الفجر (٨٩) : ٢٧ ـ ٢٨.
(٤) انظر : « الشفاء » الطبيعيات ٢ : ١٠ ، الفصل الأوّل من المقالة الأولى من الفنّ السادس ؛ « النجاة » ١٥٨ ؛ « رسالة الحدود » لابن سينا : ١٤ ؛ « شرح الإشارات والتنبيهات » ٢ : ٢٩٠ ـ ٢٩١ ؛ « المباحث المشرقية » ٢ : ٢٣١ وما بعدها.