المسألة الثالثة : في أنّ النفس الناطقة ليست هي المزاج.
قال : ( وهي مغايرة لما هي شرط فيه ؛ لاستحالة الدور ).
أقول : لمّا كانت النفس الإنسانيّة مرقاة لمعرفة الصانع وصفاته ، أراد بيان أحوالها.
اعلم أنّه ذهب المحقّقون إلى أنّ النفس الناطقة مغايرة للمزاج (١) ، خلافا لما حكي عن بعض الناس (٢) من أنّ النفس عين المزاج الذي ينتفي بتلاشي البدن.
واستدلّوا (٣) عليه بثلاثة أوجه :
الأوّل : ما ذكره الأوائل ، وهو أنّ النفس الناطقة شرط في حصول المزاج ؛ لأنّ المزاج إنّما يحصل من حصول العناصر المتضادّة المتسارعة إلى الانفكاك المجبورة على الاجتماع ، فعلّة ذلك الاجتماع يجب أن تكون متقدّمة عليه ، وكذا شرط الاجتماع وهو النفس الناطقة ، فلا تكون هي المزاج المتأخّر عن الاجتماع ؛ لاستحالة تقدّم الشيء على نفسه وتأخّره عنها. مع أنّ المزاج إذا كان موقوفا على الاجتماع ، والاجتماع موقوفا على النفس التي هي شرط له ، يستلزم كون النفس عين المزاج الأوّل.
وفي هذا الوجه نظر ؛ لأنّهم علّلوا حدوث النفس بالاستعداد الحاصل من المزاج ، فكيف جعلوا الآن علّة حدوث الاجتماع النفس؟!
قال : ( وللممانعة في الاقتضاء ).
أقول : هذا هو الوجه الثاني.
__________________
(١) انظر : « شرح الإشارات والتنبيهات » ٢ : ٢٩٨ وما بعدها ؛ « المباحث » : ٦٧ / ٩٢ ؛ « التحصيل » : ٧٢٩ وما بعدها.
(٢) كما في « الشفاء » ٢ : ١٥ ، الفصل الثاني من المقالة الأولى في النفس ؛ « شرح المواقف » ٧ : ٢٥٠ ؛ « شرح المقاصد » ٣ : ٣٠٥.
(٣) لاستيفاء البحث حول النفس والمناقشة فيها راجع « الشفاء » ٢ : ١٤ ـ ٢١ ، الفصل الثاني من المقالة الأولى في النفس ؛ « شرح الإشارات والتنبيهات » ٢ : ٢٩٨ وما بعدها ؛ « التحصيل » : ٧٢٩ ـ ٧٣٩ ؛ « شرح المقاصد » ٣ : ٣٠٣ ـ ٣١٦.