وتقريره : أنّ المزاج قد يمانع النفس في مقتضاها ؛ فإنّ النفس قد تقتضي الحركة إلى جانب ويقتضي المزاج [ الحركة ] إلى جانب آخر ، كالصعود والهبوط ، وتضادّ الآثار يستدعي تضادّ المؤثّر ، فها هنا الممانعة بين النفس والمزاج في جهة الحركة.
وكذلك قد تقع الممانعة بينهما في نفس الحركة ، بأن تكون الحركة نفسانيّة لا يقتضيها المزاج ، كما في حال حركة الإنسان على وجه الأرض ؛ فإنّ مزاجه يقتضي السكون عليها ، ونفسه تقتضي الحركة ، أو بأن تكون طبيعيّة تقتضيها ، كما في المتردّي من الهواء.
قال : ( ولبطلان أحدهما مع ثبوت الآخر ).
أقول : هذا هو الوجه الثالث الدالّ على أنّ النفس مغايرة للمزاج.
وتقريره : أنّ الطفل له مزاج يبطل في سنّ الشباب ونحوه مع ثبوت النفس ، ولا شكّ أنّ الباقي غير الزائل.
وقد يقرّر بأنّ الإدراك إنّما يكون بواسطة الانفعال ، فاللامس إذا أدرك شيئا لا بدّ وأن ينفعل عن الملموس ، فلو كان اللامس المزاج لبطل عند انفعاله وحدثت كيفيّة مزاجيّة أخرى ، وليس المدرك هو الكيفيّة الأولى ؛ لبطلانها ووجوب بقاء المدرك عند الإدراك ، ولا الثانية ؛ لأنّ المدرك لا بدّ وأن ينفعل عن المدرك ، والشيء لا ينفعل عن نفسه.
المسألة الرابعة : في أنّ النفس ليست هي البدن.
قال : ( ولما تقع الغفلة عنه ).
أقول : ذهب من لا تحصيل له إلى أنّ النفس الناطقة هي البدن (١).
وقد أبطله المصنّف رحمهالله بوجوه ثلاثة :
__________________
(١) نسب إلى جمهور المتكلّمين كما في « المحصّل » : ٥٣٨ ؛ « المطالب العالية » ٨ : ٣٥ ؛ « شرح المواقف » ٧ : ٢٥٠.