الأوّل : أنّ الإنسان قد يغفل عن بدنه وأعضائه وأجزائه الظاهرة والباطنة ، وهو متصوّر لذاته ونفسه ، فيجب أن يغايرها ، فقوله : « لما يقع الغفلة » عطف على قوله : « لما هي شرط فيه » أي والنفس مغايرة لما يقع الغفلة عنه ، أعني البدن.
قال : ( والمشاركة به ).
أقول : هذا هو الوجه الثاني الدالّ على أنّ النفس ليست هي البدن.
وتقريره : أنّ البدن جسم ، وكلّ جسم على الإطلاق فإنّه مشارك لغيره من الأجسام في الجسميّة ، فالإنسان يشارك غيره من الأجسام في الجسميّة ويخالفه في النفس الإنسانيّة ، وما به المشاركة غير ما به المباينة ، فالنفس غير الجسم. فقوله : « والمشاركة به » عطف على قوله : « الغفلة عنه » والمعنى أنّ النفس مغايرة لما تقع المشاركة به.
قال : ( والتبدّل فيه ).
أقول : هذا هو الوجه الثالث.
وتقريره : أنّ أعضاء البدن وأجزاءه تتبدّل كلّ وقت ويستبدل ما ذهب بغيره ؛ فإنّ الحرارة الغريزيّة تقتضي تحليل الرطوبات البدنيّة ، فالبدن دائما في التحلّل والاستخلاف ، والهويّة باقية من أوّل العمر إلى آخره ، والمبدّل مغاير للباقي ، فالنفس غير البدن. فقوله : « والتبدّل فيه » عطف على قوله : « والمشاركة به » أي النفس مغايرة لما يقع التبدّل فيه.
المسألة الخامسة : في تجرّد النفس.
قال : ( وهي جوهر مجرّد لتجرّد عارضها ).
أقول : اختلف الناس في ماهيّة النفس (١) ، وأنّها هل هي جوهر أم لا بكونها عرضا حالاّ في البدن غير الأعراض المشهورة؟
__________________
(١) لمزيد الاطّلاع حول الأقوال في النفس انظر : « الشفاء » كتاب النفس ٢ : ١٤ وما بعدها ؛ « المطالب العالية » ٧ : ٣٥ وما بعدها ؛ « شرح المواقف » ٧ : ٢٤٧ ـ ٢٥٠ ؛ « شرح المقاصد » ٣ : ٢٩٨ وما بعدها.