سريانيّا بأن كان طريانيّا ، ومن كون كلّ مادّيّ منقسما ، فإنّ النقطة مادّيّة غير منقسمة.
قال : ( وقوّتها على ما تعجز المقارنات عنه ).
أقول : هذا هو الوجه الثالث.
وتقريره أنّ النفس البشريّة تقوى على ما لا تقوى عليه المقارنات للمادّة فلا تكون مادّيّة ؛ لأنّها تقوى على ما لا يتناهى ؛ لأنّها تقوى على تعقّلات الأعداد غير المتناهية ـ وقد بيّنّا أنّ القوّة الجسمانيّة لا تقوى على ما لا يتناهى ـ فتكون مجرّدة.
وفيه نظر ؛ لأنّ التعقّل قبول وانفعال لا فعل ، وقبول ما لا يتناهى للجسمانيّات ممكن ، كما في الموادّ العنصريّة.
ولو سلّم أنّه فعل ، فالتعقّل لغير المتناهي بالقوّة مشترك فيه بين النفس والقوى الجسمانيّة ، والفعليّ ممنوع.
قال : ( ولحصول عارضها بالنسبة الى ما يعقل محلاّ منقطعا ).
أقول : هذا هو الوجه الرابع.
وتقريره : أنّ النفس لو حلّت في جسم من قلب أو دماغ لكانت دائمة التعقّل ، أو كانت لا تعقله أصلا ، والتالي باطل بقسميه ، فكذا المقدّم.
بيان الشرطيّة : أنّ القوّة العاقلة إذا حلّت في قلب أو دماغ ، لم يخل إمّا أن تكفي صورة ذلك المحلّ أو حضوره في التعقّل ، أو لا تكفي ، فإن كفت لزم حصول التعقّل دائما ؛ لدوام تلك الصورة للمحلّ ، وإن لم تكف لا تعقله أصلا ؛ لاستحالة أن يكون تعقّلها مشروطا بحصول صورة أخرى لمحلّها فيها ، وإلاّ لزم اجتماع المثلين.
وأمّا بطلان التالي فظاهر ؛ لأنّ النفس تعقل القلب والدماغ في وقت دون وقت.
والحاصل أنّه يحصل العلم ـ الذي هو عارض للنفس الناطقة بالنسبة إلى ما يفرض محلاّ لها ـ منقطعا في وقت دون وقت لا دائما ، فلا تكون حالّة فيه ؛ لاستلزام الحلول دوام التعقّل أو عدمه رأسا ، كما مرّ.